فبالرغم من الموقف التركي الداعم للارهاب في سورية والدعم اللامتناهي الذي قدمته حكومة حزب العدالة والتنمية للارهابيين من خلال فتح الحدود التركية للارهابيين وتقديم كل أشكال الدعم لهم ، الا أن المساعي الدبلوماسية الايرانية لم تتوقف ، والزيارات بين البلدين بقيت مستمرة بالرغم من نقض الجانب التركي وبشكل مستمر لتعهداته التي يقطعها على نفسه بشأن الازمة في سورية ، الا أن التساؤل الاكبر والأوضح الذي يجول في ذهن المتابع لتطورات الاحداث هل تغير حكومة أردوغان موقفها مما يجري من احداث ارهابية في سورية بعد وقوف الحكومة الايرانية الى جانب حكومة حزب العدالة والتنمية ابان الانقلاب العسكري المزعوم الذي شهدته تركيا مؤخرا ورفضها للانقلاب .
مواقف متناقضة
كان واضحاً تباين موقف كل من إيران وتركيا حيال الازمة في سورية ، حيث كانت ايران تقف دائماً الى جانب الحق السوري وفي وجه الارهاب التكفيري المدعوم تركياً ، بينما كانت تركيا على النقيض تقدم كل اشكال الدعم للارهاب والارهابيين في سورية، وقد أحدثت الأزمة في سورية شرخاً عميقاً في العلاقات بين أنقرة وطهران بسبب الموقف التركي المعادي للشعب السوري وبسبب وقوفها ودعمها للارهاب الذي يضرب سورية ، في حين ان الجانب الايراني يرى ان الحل الافضل للازمة هو تلاقي الاطراف السورية على طاولة الحوار دون اي تدخل خارجي فضلاً عن مكافحة الارهاب .
نقاط الالتقاء والتعاون والاختلاف
على مدى عقود عديدة، نجحت كل من تركيا وإيران في تأسيس شراكة قوية استطاعا من خلالها رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 10 مليار دولار مع طموح بزيادتها إلى 30 مليار بحلول عام 2015 وفي الواقع، فإن هذه الشراكة تكتسب أهمية خاصة لدى الطرفين.
فقضايا التعاون بين تركيا وإيران كثيرة، رغم أنها تأخذ شكل التنافس في الكثير من المجالات والمواقع، فمن دول آسيا الوسطى إلى أفغانستان والعراق وسورية إلى الحدود المشتركة، ثمة قضايا تأخذ شكل التعاون والتنسيق الأمنيين في مواجهة القوى والمجموعات التي تشكل تحدياً أمنياً مشتركاً، وهي قضايا وثيقة الصلة بالحدود وأمن الطاقة والاقتصاد والجغرافيا التي تحمل مشكلات اجتماعية وقومية وكل هذه القضايا لها حسابات في سياسة البلدين وأمن المنطقة واستقرارها.
هذه المواقف التي تتألف من مزيج من تدعيم العلاقات الاقتصادية لا سيما في مجال النفط والغاز، وتنسيق أمني وعسكري بين البلدين ، واعتدال في المواقف السياسية المتعلقة بالملف النووي، مثلت مجتمعة أرضية لعلاقات ثنائية يمكن لها أن تتطور إلى آفاق أفضل .
بعد الانقلاب
كانت عودة العلاقات التركية الإيرانية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بؤرة الاهتمام لدى العديد من المحللين الذين رأووا في تحسن علاقات تركيا مع إيران بعد الانقلاب بداية لايجاد حل للازمة في سورية .
إن هذا التطور جاء نتيجة وقوف ايران في وجه الانقلاب ورفضها له ،وقد أعطت محاولة الانقلاب الفاشلة تلك، دفعة قوية للعلاقات بين تركيا وإيران.
وقد ساهم في تطور هذه العلاقة ادراك حكومة حزب العدالة والتنمية في الأشهر القليلة التي سبقت الانقلاب أن تنظيم «داعش» ، بات يشكل التهديد الاكبر للحكومة التركية ، وهذا الإدراك بزغ في أنقرة مع تصاعد هجمات التنظيم الإرهابية في تركيا، والتي خلفت عشرات القتلى.
الدور الايراني
وعن الدور الايراني كان للتعاطف والدعم المقدم من قبل النخب الإيرانية لحكومة اردوغان ، الأثر النفسي الكبير على رئيس النظام التركي أردوغان وكبار صناع القرار في أنقرة.
بالإضافة إلى أن الموقف الإيراني جاء مغايرًا لمواقف الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، التي كانت في أحسن الأحوال فاترة في دعمها للحكومة التركية، لذلك ارتفعت الأسهم الإيرانية بشكل حاد في تركيا.
هذا ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة الجديدة للعلاقات التركية الإيرانية حاسمة للشرق الأوسط بأكمله؛ والسبب في ذلك بسيط: ففي وقت يبحر فيه العرب في بحور من الدم؛ نتيجة أعمال الفوضى التي تشهدها المنطقة، تبقى إيران وتركيا هما قوتان محوريتان في المنطقة، ولن يكون من الخطأ القول، إن مستوى الاستقرار والنظام في الشرق الأوسط سيعتمد على علاقتهما مع بعضها البعض؛ وبحسب مراقبين فإذا كان بإمكانهما زراعة علاقة مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على استيعاب المصالح الحيوية ـ ويبدو أنهما يتحركان في هذا الاتجاه، فلربما سيكون بإمكان الشرق الأوسط العودة من أعماق الفوضى التي سقط فيها.