على سبيل المثال لا الحصر إخفاقها المخزي في التأثير على المقاومة الوطنية اللبنانية خلال عدوانها السافر على لبنان عام 2006، ثم تكرر هذا الإخفاق بصورة أشد بؤساً وخزياً في استئصال المقاومة الوطنية الفلسطينية خلال العدوان المجرم على غزة أواخر عام 2008، واستمرار مسلسل إخفاقها في طمس عروبة الجولان العربي السوري المحتل.
عجزها الفاضح في التأثير على الجغرافيا دفعها لتجرب حظها العاثر للتأثير على التاريخ، والتاريخ يمثل لهذا الكيان العدواني صداعاً مزمناً حاول الساسة الإسرائيليون مراراً وتكراراً الحد من آثاره الضاربة في الصميم فلم يحصدوا إلا مزيداً من الخزي والعار، والتاريخ يعني لهم حاضراً متصلاً بالماضي اتصالاً لايمكن لعراه أن تنفصل.
محاولة النيل من التاريخ تمثلت في القرار الصادر عن وزير الداخلية الإسرائيلي بتهويد أسماء المدن العربية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، لتحل الأسماء العبرية مكانها، وكأن ذاكرة العالم كما يتوهم الساسة الإسرائيليون قد أصيبت بفقدان الذاكرة، حتى إذا ماصحت ذاكرة العالم بعد إغفاءة طويلة أو قصيرة ووجدت الأسماء العبرية التي ستحل محل الأسماء العربية سهل عليها التعامل مع الواقع الجديد بكل رحابة صدر!.
هذا بالنسبة للذاكرة الخاصة بالعالم، وقد يحلم الساسة الإسرائيليون أن عدوى فقدان الذاكرة ستنتقل بصورة تلقائية إلى الذاكرة الفلسطينية التي ستستسلم للواقع الأليم وتقبله بكل مافيه من أدران وأوساخ!.
ولطمأنة هؤلاء الساسة أن حلمهم سيبقى حلمهم الذي لن يصبح واقعاً نذكرهم أن ذاكرة العالم مازالت في أوج عنفوانها وفتوتها، وهي تعلم مثلاً أن الجولان أرض عربية سورية، حتى لو اتخذ الكنيست عشرات أو مئات القرارات الباطلة قانوناً وشرعاً بضمها لتصبح جزءاً من (إسرائيل) التي لن يصدق العالم أنها دولة بل سيظل ينظر إليها ككيان غاصب أدمن الرقص على حبال قرارات الشرعية الدولية ساخراً هازئاً بها، وسيظل يرقص حتى يأتي ذلك اليوم الذي يسقط فيه سقوطاً مريعاً من على تلك الجبال وما ذلك اليوم ببعيد.
ونذكر هؤلاء الساسة أن الذاكرة الفلسطينية ذاكرة حيث لن تصاب بالشيخوخة ولن يعتريها الهرم، وهي ذاكرة تلقن الأجيال والأجيال القادمة أن فلسطين عربية منذ آلاف السنين وستبقى عربية لآلاف السنين، وأن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة التي سيرتفع علم حريتها مرفرفاً في فؤاد وضمير كل مواطن عربي على امتداد الأرض العربية الحرة الأبية.
وكل ما يرافق هذه الحملة المسعورة التي تسعى إلى تهويد كل شيء في فلسطين العربية، لن يجدي نفعاً في تغيير الحقائق القائمة على أرض الواقع، لذلك لن يستغرب العالم إقدام المستوطنين على إضرام النار في الأراضي الفلسطينية وبموافقة ضمنية من الساسة الإسرائيليين في محاولة لإشغال الفلسطينيين بأمور أخرى قد تصرفهم ولو مؤقتاً عن بدء الخطوات الأولى لعملية التهويد الشاملة، لن يستغرب العالم ذلك لأنه بات يعرف أن (إسرائيل) تعمد دائماً إلى إشغال الرأي العام العالمي بالأمور الصغيرة لتبعده عن الأمور الكبيرة، لكن العالم صاح لكل خطوة تقدم عليها (إسرائيل) ولن ينخدع بالصورة المخملية التي تحاول تقديم وتصوير الأحداث من خلالها.
والفلسطينيون الذين هبوا للدفاع عن أراضيهم وانتشالها من النار الإسرائيلية، لن ينسوا الأهداف البعيدة لسياسة التهويد التي يشرف كبار القادة الصهاينة على تنفيذها، ولن يسمحوا لهذا المخطط الأثيم بالمرور، وعيونهم ساهرة تراقب مايجري على الأرض ولن تسمح بتنفيذه.
وعلى أبناء الأمة العربية ألا يتركوا الشعب الفلسطيني وحيداً يوجه مصيره بمفرده، بل عليهم الاستنفار لتنبيه العالم لسياسة التهويد الإسرائيلية التي تحاول اقتلاع تاريخ المنطقة وطمس هويته العربية، وأبناء الأمة مؤمنون أن التاريخ الذي لعن الصهاينة من قبل سيلعنهم اليوم، وسيخرج منتصراً محتفظاً بكل خصائصه وصفاته الوراثية التي تشير إلى أصله العربي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.