الإرهاب المكشوف والتبني الموصوف
شؤون سياسية الأربعاء 8-1-2014 بقلم: د . حسن أحمد حسن لا يختلف عاقلان على أن الإرهاب مصطلح مطاطي يتم استخدامه وفق أجندات محددة وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن اعتاد الدوران في فلكها عبر عقود، وهذا يفسر افتقار القانون الدولي إلى تعريف محدد ومتفق عليه للإرهاب رسمياً في هيئة الأمم المتحدة ليكون مرجعية للتعامل مع الإرهاب كظاهرة تشكل خطراً على جميع الوحدات السياسية التي تنضوي ضمن المنظمة الدولية.
ولا يخفى على متابع مدقق أن ذلك قد ساعد الولايات المتحدة الأمريكية على استغلال أحداث الحادي عشر من أيلول عام /2001م./ لتنصِّب نفسها قاضياً دولياً وشرطياً كونياَ يضطلع بدور الضحية والمحامي والقاضي والخصم بآن معاً، وتحت هذا العنوان قامت واشنطن بالتسويق لما أسمته واجبها الأخلاقي والإنساني الذي يمنحها الحق في أن تشن حرباً عالمية تحتل فيها دولاً مستقلة وتغزو أخرى خارج إطار الشرعية الدولية بذريعة مكافحة الإرهاب، وهذا يشكل ذروة الإرهاب الدولي الممنهج، وإمعاناً في التضليل الاستراتيجي تعمد الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى تسويق صورتها كقائدة لمكافحة الإرهاب في حين تمارس نقيض ذلك على أرض الواقع، معتمدة على ما لديها من أدوات مأجورة وأزلام وخدم وتبع وحلفاء وتوزع الأدوار عليهم بخبث ودهاء مترافقين بالعديد من التصريحات الاستعراضية والنفاق المفضوح، ولا أدل على ذلك من إقدام إدارة أوباما على الإعلان عن وضع جبهة النصرة في سورية على لائحة الإرهاب لتتمكن من تكوين رأي عام محلي وإقليمي ودولي يتقبل فكرة إمداد بقية العصابات الإرهابية المسلحة التي أسموها «الجيش الحر» بالمال والسلاح والدعم العسكري واللوجستي والسياسي والدبلوماسي أمام نظر العالم وسمعه، في الوقت الذي كانت فيه تلك العصابات تقاتل جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة وترتكبان معاً أفظع الجرائم والمجازر على امتداد الجغرافيا السورية، حتى إن تكليف «النصرة» برفع سقف الإرهاب إلى درجة غير مسبوقة كان يهدف إلى تلميع صورة الميليشيات الإسرائيلية المنضوية تحت مسمى «الجيش الحر»، وبدأنا نسمع عن مسلحين متشددين وآخرين معتدلين، والحقيقة أنهم جميعاً مكونات متعددة في جسد إرهابي واحد مرجعيته الأساسية تنظيم القاعدة وإجرامه وفكره التكفيري الإرهابي المكرس لنشر الذعر والقتل والدمار وعدم الاستقرار خدمة للمصالح الصهيو ـ أمريكية في المنطقة والعالم، وعندما تبين أن التأثير الفاعل على الأرض من نصيب جبهة النصرة كان لابد من إعادة إنتاج المسميات بعد امتداد شرور الإرهاب الذي رعوه في العراق وانتشار جرائمه في الداخل السوري باسم جديد وهوية قاعدية صرفة تحمل اسم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام /داعش/ وقد اشتركت المنتجات الثلاثة /داعش والنصرة والجيش الحر/ في قتال الدولة وترويع المواطنين في حمص وريف دمشق وحلب و إدلب وغيرها، وتم التركيز على داعش وتصويرها أنها الأكثر إجراماً للغاية نفسها وهي تسويق الميليشيات الإسرائيلية للحر على أنها موضوعية وتمثل الجناح المعتدل بين الجماعات المسلحة، مع العرض أن عناصرها كانوا أول من ارتكب المجازر الجماعية في جسر الشغور وحماة، وما يزال منظر رمي الشهداء في العاصي حاضراً ودليلاً دامغاً على إجرامهم حيث يستطيعون أن يقوموا بالإجرام، كما أن الإرهابي الذي شق صدر الجندي العربي السوري بعد استشهاده وأخرج قلبه ينتمي للميلشيات الإسرائيلية المسماة «الجيش الحر»، وكل ذلك لم يكلف واشنطن إصدار بيان إدانة لا بل إنها لم تسمح حتى بصدور بيان من مجلس الأمن يدين الإرهاب الذي يعاني منه الشعب العربي السوري وخاصة أعمال التفجير والسيارات المفخخة التي استهدفت المدنيين الأبرياء في مختلف المحافظات السورية.
بعد التغيرات الدراماتيكية التي أفرزها صمود الدولة السورية واتساع رقعة الإرهاب المكرس لتفتيت سورية بدأت تظهر علامات التململ الدولي من جرائم العصابات الإرهابية المسلحة في سورية، وأخذ الجميع يعيدون حساباتهم من منطلق أن شرور أصحاب التفكير التكفيري الوهابي تطال الجميع، وما يشكلونه من أخطار يتجاوز الجغرافية السورية إلى دول الجوار وما بعد دول الجوار، وأصبحت البوصلة الأساسية متجهة نحو إيجاد حل سلمي عبر جنيف 2، وهنا جن جنون الوهابية والأردوغانية اللتين ربطتا مصيرهما بنجاح المشروع التفتيتي لسورية، ولا شك أن خروج سورية متماسكة وموحدة يعني انتهاء الدور الوظيفي لآل سعود والأردوغانية البغيضة، وفي الوقت نفسه يعني الاعتراف الأمريكي الصريح بإخفاق مشروع المحافظين الجدد في المنطقة، ويبدو أن ما تفتقت عنه العبقرية الاستخباراتية الأمريكية وصل إلى نتيجة مفادها الاستمرار بالنفاق والتسويف، حيث تأخذ إدارة أوباما على عاتقها الحديث عن الحل السياسي وضرورة الذهاب إلى جنيف2، وتوعز في الوقت نفسه لبقية الأدوات وخاصة السعودية وحكومة العدالة والتنمية لضخ المزيد من المال والسلاح والإيعاز إلى المسلحين المأجورين للتصعيد الميداني وتوسيع دائرة اللهب، وهذا يفسر انتقال الإرهاب الممنهج إلى لبنان وارتفاع وتيرة التفجيرات الإرهابية في العراق، وتكرار محاولات العصابات المسلحة تحقيق أي إنجاز ميداني يمكن البناء عليه، لكن ذلك كله ترافق بالفشل الذريع مع ضيق الوقت الذي تم تحديده لعقد جنيف2، وللخروج من المأزق كان المطلوب تقديم منتج جديد للجسد الإرهابي بتسمية جديدة حملت اسم الجبهة الإسلامية، وضبط إيقاع القتال بينها وبين بقية المكونات الإرهابية بعد ذوبان ما أسموه « الجيش الحر» واضمحلال فاعليته إلى درجة قريبة من التلاشي، وبقدرة قادر بدأ الإعلام يروج لدور الجبهة المشؤومة المذكورة في التصدي لجبهة النصرة وتنظيم داعش، مع العرض أن كل هذه المكونات كانت في خندق واحد ضد الجيش السوري والشعب السوري وارتكبت أفظع الجرائم في مدينة عدرا العمالية ، لكن الإعلام الفتنوي الشريك في سفك الدم السوري لا يرى ذلك، فهناك هدف تم تحديده، وهو عدم السماح للدولة السورية بالاستئثار بشرف محاربة الإرهاب العابر لحدود الدول والقارات، وللوصول إلى الهدف المرسوم كانت العودة للعزف على الوتر المقطوع لإقناع الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بأن هناك مكونات مسلحة تقاتل الإرهاب على الأراضي السورية، وهذا ما لا يمكن أن ينطلي على عاقل.
باختصار شديد يمكن القول إن العصابات المسلحة التي تم ضخها إلى الداخل السوري إرهابية بالمطلق بغض النظر عن مسمياتها التي يمكن تبديلها كلما أراد مشغلها ذلك، وإن هذا الجسد الإرهابي ما كان له أن يستمر في ارتكاب المجازر لولا استمرارية الدعم الخارجي له وخاصة السعودي ، حيث يجاهر حكام الرياض بإصرارهم على إمداد المسلحين بالمال والسلاح حتى لو تخلى العالم كله عن ذلك، وأمام هذه الصورة الواضحة يتبين لكل من يريد أن يرى أن الوهابية التكفيرية أصل الداء الذي يجب اجتثاثه، وأن ما يتم تسويقه على أنه تمرد سعودي على السيد الأمريكي ليس إلا محاولة مفضوحة لذر الرماد في العيون، فحيثما تظهر نتائج آثار الفكر التكفيري على امتداد الجغرافيا الكونية تكن البصمة الوهابية واضحة، ويصبح من المسلم به أن ذلك لا يتم إلا بغض الطرف الأمريكي عن الإرهاب الذي أخذ يضرب في كل اتجاه من فولغوغراد الروسية إلى العراق وسورية ولبنان ومصر واليمن و...الخ، هنا تتضح مسؤولية المجتمع الدولي وضرورة التركيز على مكافحة الإرهاب لأنه يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
|