تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حـــــــوار فــــــي الانتمـــــــاء والهويــــــــة...فيلاند : إفلاس في التغلب على مصادفة الولادة . العظم: انحدار وليس إفلاساً

ثقافة
الثلاثاء 14-7-2009م
سوزان ابراهيم

الانتماء والهوية عنوانان كبيران لابد أن يشغلا حيزاً ما, وزمناً ما من تفكير أحدنا, ليست هذه هي المرة الأولى التي أتساءل فيها عن انتمائي وهويتي - وفيهما كثير مما لم يتح لي اختياره - ولعلي تساءلت دون جهر:

لو أتيح لي الآن فرصة الاختيار – دون عواقب – هل كنت أختار ما أنا عليه أم..!‏

يدفعني لخوض مغامرة الحديث في هذا الأمر حادثان منفصلان, جعلني الثاني منهما أعيد ذاكرتي إلى الوراء للتأمل في معطيات الأول. قبل مدة قدر لي أن أزور مصر برفقة مجموعة من السوريين, في الطائرة كان الركاب – وفق منطق الهوية والانتماء – عرباً وأجانب, في القاهرة صرنا, سوريين ومصريين وهذا طبيعي, أما ما أذهلني, وبدا لي غير منطقي – أو أنني أرفض قاعدته – أن نتحول إلى فرز آخر تبدى بشكل لاواعٍ ربما على أساس الدين, فانقسم السوريون والمصريون وتألفت مجموعتان مختلفتان تضم كل منهما أبناء الدين الواحد, طبعاً لم يكن الأمر بهذه الفجاجة التي تبديها المفردات, بل كانت أسلس من أن تتبينها سوى عين وأذن راصدتين! الأمر الثاني تجلى في محاضرة استضافها معهد غوته في دمشق تحت عنوان ( الدولة القومية خلافاً لإرادتها ) وهي عنوان كتاب في الوقت ذاته للمحاضر د. كارستن فيلاند, الذي شرح معطيات كتابه, وناقشه في تلك الطروحات د. صادق جلال العظم الكاتب والمفكر السوري المعروف.‏

العالم قبل وبعد 11 أيلول‏

تغييرات كثيرة طالت العالم منذ عام 1989 , وقد أملت الشعوب آنذاك برؤية عالم يتحول بعيداً عن كل الحدود ليصب في مواطنة يكفلها عالم متنور قادر على مواجهة مشاكل الكون, لكن الأحلام ذهبت مع الريح. مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ مصطلح الإثنية يطفو على الأجندة الأوربية خاصة في حروب البلقان – رغم سقوط جدار برلين – وبقيت الإثنية أو العرقية مصطلحاً سائداً حتى تحوّل إلى مصطلح الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001 ! حسنٌ.. ما الذي يؤجج كل هذه الصراعات في العالم؟ لماذا؟ من المستفيد الحقيقي؟ ومن يستثمر؟‏

ثمة مفهومان سيتمحور الحديث عنهما في مسألة كهذه, وهما الدولة والقومية, ليدوي سؤال في وجهنا: هل تكفي مصادفة الولادة لصناعة هوية وانتماء؟ مصادفة الولادة عبارة قادمة من القرن الثامن عشر على لسان السلطان صلاح الدين يقولها للحكيم ناتان: ( إن شخصاً مثلك لا يبقى حيث ألقته مصادفة الولادة...) هذه المقولة حكمت حديث كارستن عن الإثنية أو العرقية, فمصادفة الولادة, قد تتغير, فللجميع الحق في الذهاب إلى مقصد آخر, وقد لا يذهب , لكن جوهر القول هو في تبني التسامح الذي عدّه كارستن الأرضية المشتركة للبشرية. يشهد الواقع على أن مصادفة الولادة ( الأصل ) مازالت أكثر أهمية وبشكل متصاعد, ولذا اعتبر مبدأ الأصل أساس الصراع الإثني الذي حدث بعد سقوط جدار برلين, هكذا وبعد 200 عاماً من ولادة تلك المقولة, تصاب البشرية بانتكاسة خطيرة وهي تتقدم خلفاً نحو الهويات البدئية (مصادفة الولادة ), وما أجج ذلك محاولات السياسة ورجالاتها بسط السيطرة, فعملوا على تسييس الإثنية ما ضاعف من خطر الظاهرة وممارساتها, لقد حوّلوها إلى صراع على الحقوق والموارد السياسية الحصرية – القوة والأرض والشعب – ولم يمض وقت طويل حتى تحول الأمر إلى أثنثة السياسة!‏

تمثل الأمة وفق الفكرة الفرنسية مجتمع الاختيار لا مجتمع الأصل, لكن الحديث اليوم عنها مختلف, إذ تسود الفكرة الألمانية أي الأمة العضوية والإثنية, وبينما تكون الحدود حدوداً فنية وعقلية في مجتمع يعيش كمجموعة مفتوحة, يغدو العامل العاطفي الذي تتبناه المجتمعات الإثنية غير قابل للاختراق والخروج منه, فالناس هنا يتشاركون أتوماتيكياً نفس الرؤى والمصالح! لكن الدين وحده غير كافٍ لحشد الناس وتجميعهم,كما رأى كارستن, فلتشكيل هذا التضاد الحاد لابد من عوامل أخرى كالتاريخ الذي يعزز الشعور المشترك, و الأرض التي ترتبط بمجموعة إثنية معينة وتغدو مقدسة , ثم اللغة والعادات, اما العامل الأخير الذي تفشى في العالم فهو الإرهاب الموجود على مستويات الحشد السياسي والصراعات السياسية الذي يستخدم بذاته. تعاني النساء بخاصة من العنف متجلياً بحالات الاغتصاب الجماعي, الذي يمارس في الحروب بغية استيلاد أجيال جديدة تنتمي إلى إثنيات مختلفة. في كل ما أتى على ذكره, أورد كارستن أمثلة عديدة من صراعات سياسية حية منها ما حدث في البوسنة والهرسك ويوغسلافيا السابقة والبلقان و رواندا, وما جرى ويجري في الباكستان والهند, وبنغلاديش وارتباط المخططات والمصالح السياسية بذلك, ليصل إلى ما حدث في العراق حيث وقعت أمريكا في أخطاء الماضي للهندسة السياسية لمجالات ما بعد الصراع فتحول الأمر إلى أثنثة السياسة وثمة أمثلة أخرى كثيرة في الباكستان ولبنان والبوسنة...في النهاية عبر كارستن عن تشاؤمه إزاء إفلاس البشرية والإنسانية التي لم تستطع التغلب على مصادفة الولادة‏

انحدار الهوية القومية عند العرب‏

في مداخلته راى د. صادق جلال العظم أن تخوفاً كبيراً يسود العالم مما يبدو انحداراً نحو ما هو أدنى من الشيء المدني الاجتماعي الدولاتي ( من دولة ) باتجاه ولاءات ذات طابع عشائري طائفي مذهبي جهوي وإثني في الوقت ذاته. اعتقد العظم ان كارستن في كتابه ( الدولة القومية خلافاً لإرادتها ) قدم وجهة نظر من موقع أوربي غربي فهي تجربة شخص ألماني عاش في البوسنة وتابع ما حدث في الهند وباكستان وهذا يوسع مجال الرؤية بالنسبة لنا نحن كعرب, إنه يقدم للقارئ العربي ما يجري من تنظيرات ودراسات ميدانية ونظرية واستنتاجات من منظور شمولي, ما يمنحنا القدرة على قراءةمشاكلنا ووضعها في سياقها الأوسع وسياق ما يجري في العلاقاتالدولية على مستوى صراع الإرادات السياسية التي تميل إلى تسييس بعض الحوادث الإثنية أو الدينية, أو تحول العنف السياسي إلى إثني أو طائفي... إنه يساعدنا على الفهم من خلال عملية المقارنة مع أحداث مشابهة لتكتمل الصورة. يرى د. العظم أن هناك سيرورات وصيرورات ترتد إلى مستوى ما هو تحت القومي أي بالمعنى القطري, وتحت المدني أي العودة إلى الولاءات البدئية أو الأولية, مع إفقار كامل لهوية الإنسان أو المواطن, فيجري اختزال الهوية إلى واحدة من خصائص أو سمات موجودة بشكل شبه عضوي وبدئي , وهنا استمرار في سياسات الهوية التي تؤدي إلى حروب أهلية , وهكذا تنحدر فكرة السلم الاجتماعي نحو فكرة التعايش بين الطوائف, وتنحدر المساواة بين المواطنين ذات الطابع السياسي الاجتماعي إلى المحافظة على نسبة من كعكة السلطة, وتنحدر فكرة الديقراطية نحو فكرة التوافقية! ثمة سؤال يؤرق العظم, كما يؤرق كثيرين بيننا: هل يوجد في جيناتنا كعرب ما يمنعنا من الارتفاع فوق مستوى الولاءات ذات الطابع الأولي البدئي؟! ينكر العظم كلياً مثل ذلك, ويقول: في العالم العربي ثمة تفسيرات لما يجري, قد تكون صحيحة وقد لا تكون, ومن أسباب هذه الصيرورة الانحدارية, التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي لمجموعات إثنية, أو لطوائف من قبل مجموعات مسيطرة, ولهذا التهميش أثره على المدى الطويل, ويتجلى التفسير الآخر بانهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية, من جهة ودخول الحرب الباردة من جهة أخرى, أما التفسير الثالث فهو انفلات العولمة من عقالها بعد انتهاء الحرب الباردة, واندفاعها من دول المركز وتدفقها على دول الأطراف وما نراه عملياً هو نوع من ردود الفعل الدفاعية ذات الطابع المحافظ من أجل الحفاظ على الذات المحلية, في النهاية عبر العظم عن مخالفته الرأي لكارستن فيما يتعلق بإفلاس البشرية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية