لذلك فإن وسائل الإعلام تعتبر مرآة المجتمع العاكسة لأهم القضايا التي تثير الساسة وصناع القرار، ولهذه الوسائل قدرة في ترتيب أولويات الجماهير، فهناك نوعان من الجمهور يتناولهم الإعلام السياسي في طرح القضايا السياسية والآراء: جمهور نخبوي تتأثر به وبطبيعة القضايا المهمة التي تشغله، وجمهور عام يسهل التأثير عليه، وأغلب تلك الجماهير ليست لها ولاءات سياسية وغير مهتمة بمواضيع السياسة ولا بالمشاركة السياسية.
لقد تمكن الدارسون والباحثون في تحديد الطرق المختلفة التي تترك وسائل الإعلام آثارها على الرأي العام، وهذه الطرق هي: تمكين الناس من الإحاطة بما يجري في العالم( أسلوب التعليم)، وتحديد القضايا والأحداث السياسية الهامة، أو مشاكل الساعة( أسلوب ترتيب الأحداث)، أو لعب دور تأثيري في تحديد مَن من السياسيين ينبغي لومه أو مكافأته بشأن المواضيع والأحداث التي توردها الأخبار( تحديد المسؤولية)،وأخيراً هناك أسلوب التأثير على الخيارات والميول السياسية للناس(الإقناع).
تعمل هذه الطرق الأربع من التأثيرات ضمن إطار أشبه ما يكون بالسلسلة، إذ تمثل عملية بث المعلومات التأثير الأول لوسائل الاتصالات، وبدورها تؤدي عملية زيادة الإحاطة إلى حدوث تغيرات في بروز حدث أو قضية معينة، فمثلاً لو كانت البلاد تعاني من حالة الركود، سيدرك الناس عبر متابعتهم للصحف أو التلفاز بأن آلافاً من المواطنين قد أضحوا عاطلين عن العمل، وهو ما من شأنه أن يزيد اهتمام المواطنين بالوضع الاقتصادي، وعند تحول اهتمام الناس إلى قضية أو حدث ما، فإنهم سيبادرون إلى محاولة تكوين فهم خاص بهم حول هذه القضايا عبر( تحديد المسؤولية) فهم سيطالبون بإيضاحات عديدة: ماالذي دفع الاقتصاد إلى هذا الوضع السيئ؟ ومن الجهة؟ أما ما الوسيلة القادرة على تصحيح الأوضاع؟
أما الأسلوب الذي تتبعه وسائل الإعلام في التلفاز ونشرات الأخبار في وضع المواضيع السياسية في إطار معين يمكن أن تقود المشاهدين إلى تحديد المسؤولية عما يجري بطرق مختلفة، ويمكن أخيراً للأخبار أن تقنع الأفراد بتغيير ميولهم السياسية أو خياراتهم الانتخابية مثلاً.
وللأسف فإن آليات التلقي والاستيعاب في مجتمعاتنا العربية اعتادت على الإعلام الدعائي، ولا يمكنها أن تتفاعل بسهولة مع الإعلام الحقيقي.
والإعلام الدعائي ينطلق من الأكاذيب والخدع والأضاليل لتأكيد الحالة الفاعلة في المجتمع، ولهذا فهو إعلام مراوغ وأناني يسعى بكل وسائله وطاقاته إلى تحقيق أعلى درجات الإسكات والإصمات في المجتمع.
إن أهم الأساليب الدعائية التي يعتمدها الكثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية، هي:
الإثارة، الحرب النفسية، الحملات المنظمة، غسيل الأدمغة، الدعوة لنشر أفكار معينة باستخدام الحجة والمنطق والتفكير العلمي.
والذي يتأمل أساليب هذه الوسائل الإعلامية وأهدافها، يجد أن الرأي العام هو الهدف الأساسي الذي توجه الحملات الإعلامية للتأثير عليه، ولذلك فإنه عند دراستها تبرز الأمور التالية:
أ- التكرار والملاحقة.
ب- الإثارة العاطفية.
ت- عرض المعلومات وكأنها حقائق لا يرقى إليها الشك.
ث- تحويل انتباه المواطنين.
ج- اتباع أسلوب البرامج المحددة.
إن هذه الأساليب والممارسات الدعائية تفعل فعلها وتصيب نجاحاً إذا كان الطرف الذي يتلقاها غير محصن بما فيه الكفاية، أو لا يمتلك الوعي الكافي بأهداف الدعاية وأساليبها وفنون الإعلام المختلفة، إذ إن القائم بالاتصال أو الفعل الدعائي يركز على نوع وحجم الأثر الذي يريد إحداثه في مواقف الرأي العام وأفراده، أو على الحكومات والدول، وبالتالي مواقفها إزاء قضايا معينة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهنا مخططو الإعلام ومنفذوه لا يكترثون بالحقيقة، بل ينصرف اهتمامهم إلى تضخيم الحدث أو المضمون، والتلاعب النفسي والعاطفي بالحقيقة للوسط الجماهيري الذي يقصدونه، ثم تجنيد الأنصار أو المؤيدين والتأثير على متخذي القرار.
فهل يقتنع المعنيون لدينا أخيراً بأن الإعلام سلاح فتاك؟!