وانقطعت الكهرباء وغرق العالم في ظلام ما بعده ظلام.. لكنني سرعان ما كنت انصرف عن مثل تلك الأفكار لأن المبرر العلمي لكل هذا لم يكن متوفراً لدي.. وظل هاجس أفكاري يؤرقني فترة ليست بالقصيرة، وأنا عن العلم لست ببعيدة، ولكني رغم هذا لم أصل مع شطحات الأفكار إلى أجوبة علمية دقيقة هي من الممكن وليست من الخيال.
رسمت في خيالي أوقاتاً لعالمنا يعود فيها إلى براءة فطرته بعد أن استلبت منه كل وسائل حضارته ومميزات مخترعاته ومكتشفاته.. رأيته بعين قلبي يعود لينبثق من جديد فيتفتح مثل زهرة برية لكنه في الوقت ذاته يستفيد من تلك التجربة القاسية التي تعرض لها حين حرم من كل ما أنجزه الإنسان خلال أزمان وأزمان.. فكانت المواجهة مع العقل من جديد في إيجاد وسائل للعيش المريح بعيداً عن كل ما كانت قد أفرزته حضارات الأمم والشعوب.. وكأن الإنسان يعود إلى بدائيته.. لكنها بدائية من نوع خاص جداً لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً.. إذ كيف يمكن للإنسان بعد أن اخترع الهاتف بكل أنواعه السلكية واللاسلكية أن يعيش دون وسيلة الاتصال هذه؟ وكيف له بعد أن عثر على ضوء الكهرباء أن يوقد شموع الأنوار الضئيلة وقد كانت مدنه تبرق بوهج الكهرباء وكأنها الشمس؟ وكيف.. وكيف.. وكثير من أسئلة في سلسلة لا تنتهي.
حتى جاءني الجواب على غير معاد.. إنها الشمس إذن.. تلك العملاقة التي يتوقع العلماء انفجارها في العام 2012 و2013 وهم يطلقون صيحاتهم التحذيرية في كل اتجاه إلى جانب من يطمئن بأن ضرراً ما لن يصيب الأرض أو الإنسان بحال من الأحوال. يقولون إن انفجارات شمسية قوية ستحدث، وهي تعادل في قوتها انفجار مليار قنبلة هيدروجينية مطلقة بذلك كرة هائلة من ملايين أطنان الغازات فتصل درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية.. كل هذا وأكثر هو ما سيتسبب بانهيار حضارة الاتصالات على الأرض وقد أصبح الإنسان المعاصر يعتبرها من نسيج حياته.. لا بل هي أهم عناصرها إذ لا اقتصاد دون اتصالات.. ولا تجارة.. ولا سياسة.. ولا حتى الرعاية الصحية تخلو من تلك الوسائل والأدوات، وغيرها الكثير الكثير في مجالات العلم والثقافة والفنون.
فماذا إذاً لو وقع مثل ذلك الانفجار الكبير وكأنه الانفجار الأكبر لبدء الخليقة الذي مهد لوجود الارض وعليها الإنسان فيما بعد؟ ألن يعود الإنسان عندئذ للبحث عن بدائل لوسائل الحضارة المفقودة تلك؟.. ما أظن إلا أن هذا ما سيحصل.. ألم نبدأ مع الحمام الزاجل في رحلتنا التي انتهت أو لم تنته مع أجهزة الهاتف المحمول والتي أصبحت تختصر أكثر من جهاز في واحد؟.. وهكذا مع كثير من مفردات الحضارة التي انضفرت في السنوات الأخيرة بتسارع هائل في جدائل من الرفاهية والراحة للإنسان المعاصر وقد أصبح يحسب حساباً لكل حركة يقوم بها ولو كانت حركة إصبع.. فلا يجوز بعد أن قطع كل هذه الأشواط مع العلم والمخترعات أن تكون بعد الآن حركة إصبعه مجانية بل لابد لها أن تقع فوق أحد الأزرار وبضغطة واحدة يتحقق فعل ما من الأفعال.
ولكن بعد أن تنفجر الشمس.. وتنفجر معها وسائل حضارتنا.. لاشك أن الأصابع ستعزف طويلاً على أوتار البدائل حتى تعود الحياة إلى انسجامها مع الإنسان.. ويعود الإنسان في الوقت ذاته إلى انسجامه مع نفسه من جديد.. فلربما استمر تأثير انفجارات الشمس لأعوام لا لأسابيع أو أيام.
وحتى تخيب كل توقعات الانفجار الشمسي أو تتحقق لا أدري هل ستخط أناملي تلك الرواية التي حدثتني بها أفكاري.. ربما فعلت.