تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سـفينة الجســد وغـربـة الـروح

آراء
الأربعاء 8-7-2009
محمود شيخ عيسى

أقلعت سفينة الجسد بعد أن أدّت رسالتها السامية في هذه الحياة الدنيا؛متناسية أنّ الجمر الذي أضرمته في الصدر سيبقى متعطشاً للاتقاد حيناً طويلاً من الزمن.

تنازعت النفس وهي ترقب الأشرعة المتجهة إلى بوّابة المسافة النائية، عواطف متضاربة، أرهقت نفسها في تأويلها.‏

أضمومة ذكرى آلت أن توهّج ليل الفراق، وتلك هي سجية النجمات التي تساقطت على منديل الصرخة التي تعلّقت بين الشفتين ، ولم يأذن الفم المطويّ على الحسرة بتحريرها من سجنها، وتفجّر شلال الصور مرتمياً على أرض الدهشة في حركة عشوائية، وجدتُ نفسي منساقاً إلى تيّارها الأهوج متقلباً فوق صخورها العاتية.‏

عشرات المحبين تدافعوا، لا بأس من تكذيب حقيقة المشهد القاسي، الحبيب الغالي مسجّى في الكفن جثة صامتة تجيد لغات العالم كلها.‏

يبتدئ الحوار معها وما أقساه من حوار، همهمات حائرة ضاعت بين البوح والتلعثم، وتشتتْ بين الانتظار والكفر بالصبر المتجمّد في العروق، كيف فعلتَ هذا يا أحبّ الناس إلى القلب ولماذا اخترتَ الرحيل؟!‏

ومن جبروت هذه الغفلة المتكئة على شهقة الألم يصحو القلب مستغفراً لذنبه، فكأنّ هول المصاب جعله ينسى أنّ هذا المخلوق الجميل الذي شقّ طريقه إلى الحياة آتياً من التراب لا بدّ أن يلقي رحله في خاتمة المطاف قافلاً في طريق العودة إلى التراب.‏

شكوى حبيسة في الصدر ضقتُ بها ذرعاً ، فأرسلتُها بين الجفون شكوى مرّة احتسيتُ لهيبها في كبدي برداً وسلاماً.‏

عند المنعطف هيمنت صورة مكلومة من الماضي، ليت رحلة العذاب كانت أطول، عندما قرر جسدك النحيل وبشموخك المؤمن أن يجابه المرض وكان له سطوة ويحها من سطوة!.‏

كم مرة كنتَ تسند رأسك المتعب بغبار الأيام وعبء السنين على صدري، وتنساب أنفاسك الوادعة ياسمينة تشبه ياسمينة الدار التي ستفتقدك طويلاً ومن افتقادها تعلّم المحبّون وما أكثرهم ماذا تعني قسوة الغياب.‏

كنتُ أعانق السهر، ويدنو القمر الفضيّ مرسلاً موجاته ليستحمّ بنقاء سريرتك الطاهرة، وما أروع ملحمة الصبر ترسمها أيها الحبيب برباطة جأشك، وهكذا تعلمتُ منك في مدرسة الحياة وقلتُ يوماً نُسرّ وأياماً بل وأحياناً أعواماً نـُساء وتلك هي صفحات كتاب الحياة؛ بين الدفتين أطياف النعمى والبؤس ، على أنّ ساعة حزن في هنيهة الألم تساوي سنوات طويلة من الفرح بل تنبذها وراء ظهرها.‏

تلك الأصابع المعروقة كانت تمسّد جبهتي، أهي محاولة منك لإزاحة آلام الماضي والحاضر، بل هي طبيعتك التي لازمتك وعهدك بإزالة كلّ ما في طريق حياتي من أشواك!.‏

خصلات شعر بنى فيها طائر المشيب عشّه وأزاح غراب الشباب فيا لك من بياض ظلّ في عينيّ سواداً مدلهماً لأنه كان يقرع جرس الإنذار معلناً قرب الرحيل، وتشبثتُ بخيوط الأمل مقاوماً حتى اللحظات الأخيرة، وعلى الضفة النائية كان القدر يسخر مني بطريقة عجيبة.‏

شلاّل من الذكرى تدافعت حممه وكادت تطبق على الأنفاس، واكتحلت الجفون بأواره صبراً على فراق الحبيب وهي التي لم يخامرها الشك بأنه كان مقيماً في كلّ خفقة قلب ورفة جفن وارتعاشة هدب.‏

عواطف المحبين كانت ذلك البحر الهادئ الذي انسابت فيه السفينة التي ستعود من حين إلى آخر لتعرف حجم غربة الروح، ثمّ تعود أدراجها عابقة بطيب أنفاسك الزكية، وقبل أن تقلع غالبتُ أشجاني واستطعتُ انتزاع كلمات هيّأتُها على عجل ، وتمالكتُ أعصابي لأقول لك وداعاً يا أبي الحبيب ولك منّي الحبّ الأبقى.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية