تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هـــل انــقرض أدب الــفكاهــة والســخريــة؟!

آراء
الأربعاء 8-7-2009
هفاف ميهوب

ربما، ولأن الفكاهة تعتبر من الأمور المحفوفة بالحرج، لم يكن من اليسير الخوض في أدب الفكاهة فهو و إن كان موجوداً إلا أنه أقرب إلى الانزواء عن المتناول الثقافي العام.

ذلك أن جزءاً من تراثنا يشجب الضحك ويعتبره منافياً للوفاء. رغم أن لكل أمة من الأمم، و لكل طبقة من طبقات المجتمع، مهما بلغت مكانتها، قسطها من النوادر والمرح والسخرية، يمثله أشخاص يبرزون في أدب الأمة ويخلّدهم تراثها..‏

إن النصوص الموجودة في تراثنا قليلاً ما تحض على الفكاهة والضحك، وتقدر ما لهما من أثر في الأدب بينما الكثير منها يربطه بالمجون والاستهتار. ما جعل أدب الفكاهة مهملاً، منبوذاً. لولا المشافهة التي تناقلها الأبناء عن الأجداد، لما وجدنا أي أثر يذكر لهذا الأدب..‏

وعن أول أشكال الفكاهة فهو لدى عرب الجاهلية، حيث كانوا يتكلمون بحرية غير مقننة، وهي أقرب إلى الفطرة والسليقة في التعبير والتفكير، و بلغة تخدم واقعهم وثقافتهم دون أن يفكروا بنقلها أو تدوينها إلا في ذهنهم الواعي الذي سجل ماضيهم ورصد حاضرهم، واستشف المستقبل. وربما كان هذا سبب حفظهم لعشرات الآلاف من أبيات الشعر، و للكثير من قصص تروى مشافهة دون أن ينسوها..‏

وتطورت المجتمعات ما أدى إلى تطور اللغة التي استقرت في أيدي اللغويين و النحاة الذين وضعوا لها قواعد صارمة وضوابط محكمة رافقت ظهور شتى التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الذي تحول من بسيطً إلى مركب- وهنا بدأ الأذكياء والمترصدون و المنفلتون، يمطروننا بوابل من المفارقات والنكت التي اعتمدت على فقدان الانسجام وضيق المضامين وتجمد القوالب، ما أوحت به تقلبات عصرهم، وما دفعهم لإطلاق الأعنة لألسنتهم للكشف عن تناقضات العصور الذهبية في التاريخ العربي الإسلامي. ذلك الذي ترك لنا ثروة من النوادر و الفكاهات و الخمريات و المجون وقصص المقامات. وهكذا فإن ما بقي منه تم تدوينه بغفلة عن الرقابة أو العقوبة- ذلك إن أبرز ما فيه كان يصور شخصيات تثير السخرية و الضحك لدى الناس- خاصة القضاة والفقهاء والوعاظ و أئمة المساجد و الوزراء والخلفاء . ناهيك عن الطفيليين و البخلاء و المحتالين و معلمي الصبيان في الكتاتيب.‏

لكن، ومع أن الهدف الذي منعت هذه النوادر من التدوين لأجله، و لى برحيل من مسهم بنادرة أو قصة مضحكة و ساخرة إلا أن من أتى من مهتمين فيما بعد، لم يلتفت أو يهتم بما فيه الكفاية بهذا الأدب. حيث لم يبق منه إلا ما تندر لأسماء كانت وما زالت معروفة في هذا المجال وهي، أشعب بحكاياته وجحا بنوادره، وأبو نواس وأبو علقمة وأبو دلامة بسخريتهم ونوادرهم التي صاغوها بحكمة أو قصة أو شعر‏

ومع أن من النادر أن نجد من اهتم وكتب عن هؤلاء إلا أنهم بقوا الأساس لأدب الفكاهة الذي تبلور أكثر بانفتاح الحضارة العربية على الشعوب الأخرى، وبسبب ظهور أدباء كبار، خفيفي الظل رسخّت آدابهم وترجمت وبقيت شاهداً لدى الغرب على عظمة وأهمية أدبنا العربي ومنهم:‏

الجاحظ، بديع الزمان الهمذاني أبو الفرج الأصفهاني، عبد الله بن المقفع، والتوحيدي والأصمعي‏

إن هؤلاء ورغم مااتصفوا به من الجدية والصرامة في كتاباتهم الأخرى إلا أن شغفهم بكشف عيوب المجتمع ولا سيما طبقة الفقهاء والقضاة والمتزهدين والبخلاء، دفعتهم للخوض في هذا المجال مستخدمين أرقى أنواع الفكاهة التي امتزجت بالسخرية وبطريقة تطلبت الكثير من الذكاء والمهارة والمكر في التلميح إلى ما يبغون تعريته.‏

وإذا كان الجاحظ إمام هذا الأدب وأول من كتب عنه في كتابه / البخلاء/ والبرصان والعميان والحولان/ وغيرها من النصوص الساخرة التي تتعرض لأرباب الحرف والصنائع المختلفة، فإن / أبي الفرج الأصفهاني/ قد أورد في كتابه الأغاني الكثير من أخبار هؤلاء الحمقى والمغفلين أصحاب الحيل والنوادر..‏

أما / ابن الجوزي/ فيعد من أشهر من رصد أخبار هؤلاء. وكان شغوفاً بالعلم والمعرفة والرحلات، بل يعد علامة عصره وإمام وقته في الحديث والوعظ وتكريس أدب السخرية للحض على عدم مضيعة الوقت.‏

ولقد ترك الكثير من المؤلفات منها، / كتاب الأذكياء وأخبارهم/ تلبيس إبليس/ كتاب الحمقى والمغفلين/ وغيرهم الكثير. وكان أشد استخداماً لفن السخرية في كتابه/ أخبار الحمقى والمغفلين/ حيث يشرح معنى الحماقة أولاً ثم يذكر أسماء وصفات الحمقى ويحذر من صحبتهم وهم المغفلون في رؤية الحديث والقصاص والوعاظ والمعلمين.‏

ونقول إذا كان بعض الخلفاء وأصحاب السلطان قد أعجبوا بهذه النوادر فأجزلوا لبعض من تناولها العطاء فإن البعض الآخر منهم استنكر وهاج رافضاً بلاغة أدبهم... تلك البلاغة التي قال / ابن المقفع/ بأن الجاهل يحسب إن سمعها بأنه يحسن مثلها- والتي كما تورد بعض الأبحاث كانت سبباً في قتل هذا الأديب لينتهي بشكل أليم دون أن يدري بأن بلاغته التي أوردها في كتاب/ كليلة ودمنة/ كانت سبباً في فهم المغفلين الذين حسبوا أنفسهم ضمن قصصه التي تدور على لسان الحيوانات.‏

إذاً سنختم كما بدأ / ابن الجوزي/ آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين لثلاثة أسباب الأول: إذا العاقل سمعها عرف قدر ما وهب إليه مما حرموا منه فحثه ذلك على الشكر..... والثاني يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة. أما إذا كانت الغفلة مجبولة في الطباع فلا تقبل التغيير، والثالث! أن يرّوح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظاً. فإن النفس ترتاح إلى بعض المباح من اللهو»...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية