بعد تصريح مثير لرئيس البنك المركزي الصيني، وخاصة أنها تملك وحدها مايزيد عن تريليون دولار كاحتياطات دولية، وهو مايعني مزيداً من الضغوط على الدولار بزيادة عرضه وانخفاض الطلب عليه، يأتي هذا في الوقت الذي تتعرض فيه العملة الأميركية إلى مزيد من الضغوط وانخفاض متكرر في قيمتها على مدى السنوات الخمس الماضية، وهذا ما أضعف الثقة بها كعملة احتياطية عالمية، وماصاحب ذلك من كساد اقتصادي أميركي هائل أدى إلى تعاظم العجز في الموازنة الأميركية، وخاصة مع التمويل الكبير الناتج عن خطة الحوافز الاقتصادية التي كلفت الخزانة الأميركية أكثر من 780 مليار دولار حتى الآن نتيجة لتداعيات الأزمة المالية التي رافقت أزمة الرهن العقاري وأدت إلى تعرض المؤسسات المالية الكبرى فيها إلى الانهيار والإفلاس.
ومع اضطرار الحكومة الأميركية إلى التمويل المالي لضخ المزيد من الأموال عبر خطة إنقاذ جديدة في النصف الثاني من هذا العام، ما قد يدفعها إلى طباعة المزيد من الدولارات لتغطية احتياطاتها، الأمر الذي سينجم عنه تراجع إضافي في قيمة الدولار، وبالتالي إضعاف الشعور بالثقة به كعملة احتياطية نقدية عالمية.
وتزداد وتيرة الضغط الصيني على العملة الأميركية من خلال التصريحات المتكررة التي كان آخرها ماأشارت إليه مصادر في مجموعة الثمانية الكبار من أن الصين طلبت مناقشة مقترحات لاعتماد عملة احتياطية عالمية جديدة في اجتماع المجموعة في إيطاليا خلال هذه الأيام.
وكانت الصين قد أثارت زوبعة في بداية هذا العام عندما أعلن رئيس البنك المركزي الصيني أن الدولار قد يتم التخلي عنه كعملة احتياطية ويستبدل بوحدة حقوق السحب الخاصة المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي عام 1969.
إذ أن الظروف الاقتصادية والمالية الداخلية في الولايات المتحدة والسياسات المالية المتبعة قد أدت إلى انخفاض قيمة الدولار, وهذا يؤدي على المدى القصير والمتوسط إلى اضطرارها إلى القبول بانخفاض قيمة عملتها في محاولة للاستفادة من الوضع الحالي بزيادة حجم صادراتها وتخفيض حجم الواردات وبالتالي تخفيض العجز المالي والتجاري الهائل.
إلا أن الشيء الذي يجب أن يحظى بالاهتمام هو انعكاسات هبوط قيمة الدولار على الاقتصاديات المرتبطة بالولايات المتحدة واحتفاظ البنوك المركزية للكثير من الدول بالدولار كعملة تبادل دولية.
وإن فقدان الدولار جزء من قيمته لابد أن يؤدي إلى قيام تلك الدول باتباع نظام سلة العملات وفك ارتباط عملتها بالدولار، مايؤدي على المدى القصير إلى تحقيق ما تنادي به الصين علناً، والدول الأوروبية تلميحاً إلى البحث عن عملة احتياطية عالمية جديدة تحل محل الدولار في التبادلات الدولية.
فهل بدأ الدولار يفقد موقعه فعلاً ويتم التخلي عنه كعملة احتياطية عالمية؟
وهل ستقبل الولايات المتحدة الأميركية بذلك، أم ستعدل سياساتها المالية والنقدية لزيادة ثقة الدائنين ورفع قيمته مرة أخرى، ومن مبدأ أن سيطرة أي عملة على العالم تتطلب ثقة المستهلكين في قيمة تلك العملة.
هذا ما سنشهده من الآن وحتى انعقاد قمة العشرين القادمة في مدينة بطرسبرغ الأميركية في أيلول القادم.