وغدا ذلك البناء الأثري: أثراً بعد عين.. و أسدل الستار على تاريخه الغني. وقد سبقه إلى إلى هذا مبنى كلية الحقوق الحالي في هذه الجامعة.
لقد كان هذا المبنى مقراً لوزارة التربية في مطلع الستينيات، ولضيقه غادرته إلى مبنى دار المعلمات: مقرها الحالي في الشهبندر.. وبقي في منأى عن الازدحام و الحركة الدائبة حتى ارتأت وزارة السياحة أن تنقل مقرها إليه ما دام بناء أثرياً سياحياً!! وهي تعرف سلفاً أنه أضيق من أن يتسع لدوائرها و مؤسساتها التي تناثرت هنا و هناك، ابتداء من ساروجة ومروراً بزقاق الصخر شرق المواساة، وحتى حيّ دمر وغيره من المناطق والحارات!!
إن مشكلة الوزارات مع الأبنية المستأجرة أو المستملكة: هي مسألة واجبة التأمل. فالمبالغ الطائلة التي تدفعها أجوراً سنوية كان في مقدورها أن تعمر قلاعاً فما بالك بمقر وزارة؟ وذلك عدا عن دوائرها التي تتوزع في مناطق مختلفة و بعيدة عن بعضها في أحياء دمشق، فترهق المواطن إذا كان صاحب معاملة لأنه يدور بين مقر الوزارة ودوائرها المتناثرة في مناطق متباعدة.
وإذا أخذنا مثلاً على ذلك. نجد أن وزارة السياحة صاحبة «معهد الحقوق» هذا: كانت تستقر في مبنى خلف وزارة الداخلية، وبدلته لضيقه فجاءت مكاناً أضيق منه!! وليس ببعيد عن أذهاننا أن هذه الوزارة قد استملكت مساحات كبيرة تشمل المساحة التي أنشيء عليها فندق الفصول الأربعة. كذلك كامل المساحة الممتدة من ساحة الأمويين - فندق الشيراتون و حتى الربوة بما في ذلك تلال زقاق الصخر- مقابل المدينة الجامعية. و بدلاً من تفويض أمرهاتين المنطقتين لمحافظة دمشق بعد أن شردت السكان إلى مناطق بعيدة.. كان بإمكان هذه الوزارة أن تبني مقراً كبيراً يتسع لها و لدوائرها ومديرياتها.. تبنيه في طرف بسيط من هذه المساحات الشاسعة المستملكة و التي تنازلت عنها لاحقاً للمحافظة أو سواها.
وهنالك كثير من الوزارات التي تعاني من ضيق مقراتها كوزارة الثقافة، فمقرها الحالي بناء مستأجر في حي الروضة ضمن منطقة سكنية. و هو أصغر من أن يتسع لها. وقد اقترحت في سنوات سابقة على السيد الدكتور محمود السيد يوم كان وزيراً للثقافة : بناء مقرّ كبير لهذه الوزارة في المنطقة التي يقع فيها المعهد العالي للفنون المسرحية ودار الأوبرا:،ما دامت هذه الأرض ملك وزارة الثقافة.
لكن الوزارة لم تنشىء البناء هناك وتحولت هذه الأرض والأرض الممتدة شرقيها «أرض المعرض القديم» إلى حديقة أو مقر لأنشطة جمعيات مختلفة.
لقد كانت أرض كيوان عالماً زراعياً قائماً بذاته وجنة يجري فيها بردى و تسكن فيها مئات الأسر الفقيرة وعشرات الأسر المالكة. و كانت منتجات الحليب و الألبان فيها: تغطي جزءاً كبيراً من حاجة المزة و بعض أحياء دمشق وقد استملكت هذه المساحة الكبيرة مع استملاك أرض فندق الشيراتون، وتحولت فيما بعد الى أرض يباب لم يعد يزينها خضارها وجمال بردى وهو يتهادى خلالها، وقطار الزبداني وهو يجتازها صباحاً وظهراً ومساءً. وبدلاً من أن تعمّر وزارة السياحة.في قسم منها أو في قسم من منطقة التجهيز: مقراً لها ولمديرياتها: تنازلت عنها لجهات غيرها كي تصبح فيما بعد فنادق أو منتجعات سياحية استثمارية. إذاً فلا الوزارة استفادت منها ولا المواطنون السكان كذلك فألغت بهذا صفتها الجمالية والإسكانية والانتاجية الزراعية، وتحولت تقريبا الى مكبّ أنقاض لمحافظة دمشق!!
إن مقر وزارة السياحة الحالي في المبنى القديم لمعهد الحقوق. ملاصق لمباني«التكية» وسوق المهن اليدوية والمتحف الحربي .. والخوف كل الخوف أن يصل إليها الماس الكهربائي أو شرارات اللحام!!.. نحن نعرف سلفا أن البناء سيرمم ويعود الى سابق عهده كما كان أو بصورة قريبة منه.. لكن على حساب من تهدر هذه الأموال الطائلة التي ستتكلفها الوزارة جراء عمليات ترميمه وإعادته؟
والوزارات التي عمرت مقرات لها: قليلة قياساً الى عددها العام. فالخارجية أرادت الخلاص من هذه الدوامة فأنشأت مقراً جديداً لها مقابل مشفى الأسد الجامعي في تنظيم كفر سوسة فانتقل إليه مجلس الوزراء وبقيت الخارجية في مكانها الضيق الحالي في حي المهاجرين ضمن أحياء سكنية غاصة !! ولا نتفاءل بأنها ستنتقل إلى بناء المجلس القديم لأنه كان ملكاً للمصرف التعاوني الزراعي.
في دول العالم تقوم مجمعات حكومية تحوي معظم الوزارات والدوائر بحيث يستطيع مواطنها أن ينجز معاملته في وقت قياسي دون الاضطرار غالبا الى مغادرة المكان نفسه!! على عكس ما هو جار عندنا، فمواطننا ينجز معاملته ويوقعها ويختمها ابتداء من منطقة عدرا وحتى مختلف أحياء دمشق!!
وإن سبقاً آخر يجب أن يسجل لنا وهو تبادل الوزارات مقراتها، إذ انتقلت وزارة البيئة من مقرها الصحي السابق الى أكثر مناطق دمشق تلوثاً بيئياً: ساحة المحافظة!!
إن بعض الوزارات لا يزال يشغل مباني أثرية.. والخوف الخوف أن تطولها أضرار الماس الكهربائي أو شرارة السجاير أو ألسنة النيران!! فمتى تحقق بلادنا «إنجاز» المجمعات الحكومية ؟؟.. هذا ما ننتظره ونحلم به شريطة ألا يكون في «عدرا» وكأن الأرض ما أنجبت إلا هذه البقعة الجميلة الغناء!!
إن المباني الأثرية التراثية جديرة بالمحافظة عليها وصيانتها بدل إشغالها بمقرات حكومية تسيء الحركة فيها إلى مسحتها الجمالية وقيمتها العمرانية التاريخية. وإننا اليوم قبل الغد نذكّر السادة المعنيين، بوضع بناء قصر العابد وقيمته المعمارية والجمالية والسياحية حتى لا يستمر النسيان والإهمال في تحويله الى بقايا قصر فنتأسى عليه بعد أن يقع ما يقع ونندم لأننا لم نقدره حق قدره ،بل تركناه لعوامل الزمن فتطوله شرارة أو لهيب يأتي عليه كاملاً!!
ونجد من المناسب هنا الإشارة الى بناء فندق أمية القديم «الخيام حالياً» وإلى بناء آل الكوثر الملاصق له ولجامع الكوثر المتاخم أيضا: حتى لا نندم حيث لا يفيد الندم!!