الأزمة الاقتصادية تحكم السياسة الداخلية والخارجية لواشنطن
مساحة للرأي الأحد 10-3-2013 بقلم د. قحطان السيوفي إن قراءة هادئة لخطاب الرئيس الأميركي أوباما (حالة الاتحاد) الأخير يشير إلى أن الأزمة الاقتصادية تشكل عاملاً حاسماً ومؤثراً في السياسة الداخلية والخارجية لأوباما في ولايته الثانية ولفهم ذلك من المفيد الإشارة إلى المشهد التاريخي الاقتصادي والسياسي لأميركا على امتداد (32) عاماً
منذ بداية عهد الرئيس الأميركي الأسبق (رونالد ريغان عام 1981 من حيث أعلن هذا الأخير مع بداية ولايته شعاره الشهير الحكومة ليست الحل الحكومة هي المشكلة) كما أعلن ريغان يومها ما سماه (ثورة) اليمين السياسي ضد الطبقة المتوسطة والفقراء وتضمنت ثورته دعوة لخفض الضرائب على الأثرياء، خفض إنفاق التعليم، والبنية الأساسية، والنمو الهائل لنفقات الدفاع... وإلغاء القيود التنظيمية الاقتصادية والمالية... وكان ذلك بمثابة هجوم من قبل أصحاب المصالح الخاصة وول ستريت، شركات النفط الكبرى، وشركنت صناعة السلاح... وقد تابع الرؤساء الأميركيون الذين جاؤوا بعد ريغان: جورج بوش الأب، بيل كلينتون، وبوش الابن هذه السياسية، وأدت الحروب العبثية التي صعدها بوش الابن إلى ارتفاع ميزانية النفقات العسكرية.. كما كان إلغاء القيود التنظيمية المالية والاقتصادية سبباً في إثراء (وول ستريت) وإلى خلق الأزمة الاقتصادية المالية العالمية الحالية بسبب الاحتيال والإفراط في خوض المجازفات المالية.. جاء خطاب أوباما الأول في ولايته الثانية (حالة الاتحاد) ليؤكد أولوياته في السياسة الداخلية لمواجهة التحديات التي سببتها الأزمة الاقتصادية وبدا أوباما في خطابه وكأنه يسدل الستار على حقبة مضت ليعطي للحكومة دوراً مهماً في معالجة الصعوبات الاقتصادية الكبرى التي يواجهها المجتمع الأميركي اليوم وأهمها تزايد عجز الميزانية والتضخم الهائل للدين العام... وارتفاع معدلات البطالة... وفي الوقت الذي يسعى أوباما لتنفيذ وعوده الانتخابية خلال حملته الرئاسية... فإنه يصطدم بالجمهوريين في معركة رفع سقف الدين العام بالإضافة للهاوية المالية المتمثلة بالضرائب والإنفاق العام ومعارضة الجمهوريين لرفع الضرائب على الأثرياء وبالتالي فإن الاقتصاد والمالية يشكلان العامل الرئيسي في سياسة أوباما الداخلية، بالمقابل فإن المصالح الخاصة لا تزال قوية في الكونغرس وحتى في البيت الأبيض، لقد أنفق هؤلاء الأفراد والجماعات الثرية مليارات الدولارات على المرشحين في الانتخابات الأخيرة ويتطلعون لتحقيق فؤائد واستعادة ما دفعوه كما أن (30) عاماً من خفض الضرائب حرم حكومة الولايات المتحدة الكثير من الموارد المالية وعلى ضوء ما تقدم فإن الاقتصاد الأميركي اليوم أكبر اقتصاد في العالم يعاني نقصاً في الموارد، في المقابل فإن خطاب أوباما (حالة الاتحاد) كان مقتضباً في مجال السياسة الخارجية وهذه الأخيرة تتأثر بدورها بالوضع الاقتصادي الأميركي المأزوم وخاصة في ظل قرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان تحت وطأة عوامل عديدة لعل من أهمها الوضع المالي الذي يتطلب ضغط الإنفاق العسكري وفي هذا السياق أعلن بتاريخ 2/3/2013 قرار الإدارة الأميركية تخفيض ميزانية الدفاع ب (85) مليار دولار.. لذلك ظهر أوباما في خطاب الاتحاد وكأنه ألقى بقفازه.. داعياً إلى عصر جديد من النشاط الحكومي لمواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى، لتنفيذ وعوده في مجال التعليم والصحة وتشييد البنية الأساسية، ومكافحة تغير المناخ.. ومساعدة الأقل دخلا، والاستثمار في المستقبل عموماً.. بمعنى آخر يحاول تغيير الاتجاه الذي خلقه الرئيس الأسبق ريغان واستمر ثلاثة عقود وسبب للولايات المتحدة المزيد من الصعوبات والأزمات على الصعيد الداخلي والخارجي ليجد أوباما نفسه في مواجهة هذه الأخيرة وجها لوجه، لتصبح الأزمة الاقتصادية وتداعياتها العامل الرئيسي المؤثر سلباً وإيجاباً في السياسة الداخلية والخارجية لواشنطن خلال الولاية الثانية لأوباما.
|