يقول المسؤولون في القدس وواشنطن بأن أوباما لا يحمل في جعبته خطة سلام جديدة يقدمها إبان الزيارة التي سيقوم بها إلى المنطقة في أواخر شهر آذار الجاري بل إنها ستمثل الإعلان والإعراب على الملأ عن حسن نيته تجاه المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية وتأكيد على أنه لا يكن العداء للدولة العبرية ولا يضمر لها إلا سوى المحبة والود وقد يكون هذا القول صحيحا وربما يكون الواقع خلاف ذلك.
يرى بعض الأميركيين المتزمتين بأن كل ما يصدر من معلومات حول تلك الزيارة ليس في واقعه سوى هراء يفتقد للموضوعية وعلى الرغم مما أعلن عنه وزير الخارجية الأميركية جون كيري بأن أوباما لا يحمل خطة سلام لإسرائيل والأراضي الفلسطينية في الزيارة التي سيقوم بها في هذه الآونة لكنه من المؤكد بأنه لن يتردد في الاستماع والإنصات لما يقوله أي جانب ذلك لأن الرئيس الأميركي لن يتحمل عناء السفر آلاف الأميال كي يتناول صحناً من الحمص أو ليكتب ملاحظة على الجدار الغربي أو ليضع إكليلا من الزهور في متحف المحرقة في إسرائيل بل لما لديه من رغبة في ترك بصمات وإنجازات يسجلها التاريخ الأمر الذي لن يتاح له إلا في حال قيامه باتخاذ السبل المناسبة لتمهيد الطريق أمام إنهاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني خلال مدة ولايته الأخيرة، علما بأن أوباما ومرافقيه على ثقة تامة بإمكانية تحقيق إنجاز هام بين إسرائيل والفلسطينيين عبر لقاء بين بنيامين نتنياهو ومحمود عباس.
يؤخذ على الأميركيين صفة التسرع باتخاذ القرار وعدم التبصر بما قد ينجم عنه من نتائج كارثية جراء الإصرار على تنفيذه وخير مثال على ذلك ما جرى في بنما منذ سنوات عدة حيث قتل الآلاف من المواطنين الأبرياء وكان ذلك بهدف تحقيق الأمريكيين لما عزموا عليه وهو القبض على الحاكم الذي نسبوا إليه الإتجار بالمخدرات. وفي ضوء تصرفهم السابق، فإنهم إن طلبوا من نتنياهو تنفيذ أمر معين فعليه الاستجابة دون الدخول في حوار طويل الأمد بين أخذ ورد. وبتقديرنا فإنهم في هذا السياق سيبدأون بطلب صغير حيث سيقترحون على نتنياهو التقليص من أعمال البناء أو وقف البناء في التجمعات الواقعة خارج «الكتل الاستيطانية» ذلك الأمر الذي يعني بالضرورة بأن التجمعات السكنية الواقعة خارج «الكتل» لن تكون جزءا من دولة إسرائيل في حال التوصل إلى ترسيم دائم للحدود.
قد يبدي نتنياهو في بادئ الأمر معارضة لهذا الطلب ويثير ضجة واسعة في صفوف المجتمع الإسرائيلي وربما يقف متباكيا ويذرف الدموع أمام مختلف وسائل الإعلام لكنه لن يلبث بأن يأخذ بتبرير ما يزمع الإقدام عليه بإدعاء عدم وجود الإمكانية الكافية لديه لرفض الطلب ولم يعد له من خيار آخر غير القبول والموافقة على التنفيذ وقد يكون على حق فيما يقول وفيما يتخذه من إجراءات ذلك لأن نتنياهو على علم ودراية تامتين بأنه دون أن يتلقى مساعدة من الولايات المتحدة لن يكون ثمة وجود لنا في هذه الأرض. وعلى الرغم مما عرف عنه من تشتت بين نظرية جابونتسكي والأمر الواقع، فإنه من المؤكد بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية يميل إلى الجانب المعتدل من الليكود عندما يتعلق الأمر بإيجاد حل للصراع الدموي القائم وها نحن اليوم نشهده أقرب إلى دان ميريدور منه إلى موشيه فيجيلين ذلك الأمر الذي جعل المستوطنين ينهجون إلى عدم الثقة به والتشكيك بنواياه.
منذ أمد قصير وقع نتنياهو على اتفاق لتشكيل ائتلاف مع وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني التي تؤمن وتعلن على الملأ عن قناعتها بضرورة استئناف مفاوضات السلام فهل سيدعوها إلى التخلي عما اتفقا عليه بعد مرور وقت قصير على هذا الاتفاق ذلك ما سيثبته لنا المستقبل القريب، علما بأنه في حال إلتزامه بتنفيذ أي بند من اتفاقية للسلام ولجوءه إلى عرض الأمر على الكنيست فإنه لن يكون قادرا الاعتماد على تأييد موشيه فيجيلين وياريف ليفين ويوري أرئيل ونفتالي بينيت واريت ستراك وتسيبي حوتفلي في الحين الذي سيجد نفسه مضطرا للتوقيع على اتفاقية للسلام على غرار ما جرى في الاتفاقية التي تم توقيعها مع مصر من قبل مناحيم بيغن وأنور السادات. لكن في هذه المرة سيكون كل من حزب العمل وحزب ميرتس هما اللذان يحميان نتنياهو ويمكناه من الاستمرار في تنفيذ ولايته الثالثة.