ليبدأ بعدها في مغامرات تعرض حياته المحسوم أمرها للخطر . ويبدو أن الواقع الذي عاش فيه السجين اكس يفوق خيال أفلام الممثل بن غزاره , وما زلنا حتى الآن بعيدين عن حل لغز هذه القضية , والتي يبدو أنها لن تفصح عن أمور تسر .
لا بد وأنه في انتظارنا تنديد عالمي بسبب هذه القضية وصمت وحيرة وخزي لدينا . إذ وحين خرجت صحافتنا وبدأت تتحدث عن القضية اضطرت للاعتماد على مصادر أجنبية , كانت قد بدأت في حل لغز السجين اكس , الذي انتحر في أكثر الزنزنات عزلة وحراسة في اسرائيل . وقد انهارت جميع المسوغات التي يتذرع بها من يدعون حرصهم على أمن الدولة والمتنافية مع القيم والمبادىء الديمقراطية التي نتعلق بها , أو من يبررون مسألة التكتم والتعمية على قضايا وأشخاص , بذريعة تعرض حياتهم للخطر في حال كشف قضاياهم منذ اللحظة التي كشفت استراليا عن تلك القصة . كما ومن السخافة والمثير للقلق بمكان محاولة كتم وسائل الإعلام الإسرائيلية , التي تحدثت عن عجز الموساد عن مواجهة الواقع الجديد , بحيث يبدو هذا الجهاز وكأنه لا زال يعيش في عقلية خمسينات القرن الماضي , عندما كانوا يزجون (بالشخص الثالث ) في السجن من دون أن يعلم فيه أحد ومن دون إجراء أي تحقيقات .
وقد أثارت القضية التي أميط اللثام عنها بعد عامين أسئلة ويجب أن نسألها , ولكن ومن المؤسف أن الذين يطرحونها هم دوماً نفس الأشخاص الذين ينتمون إلى اليسار , من قبل أولئك الذين اتهمهم ليبرمان بأنهم يحاولون ( المس بأمن الدولة وتبرير عمل العدو ) . وفي كل الأحوال , ليس هناك من سبب يحول دون طرح أعضاء الكنيست الذين يمتلكون وعياً أمنياً أسئلة مثل : كيف يمكن اعتقال واختفاء وموت أشخاص في السجون دون أن يعلم بهم أحد سوى عائلاتهم ؟ وكيف يمكن لشخص أن يموت شنقاً في زنزانة تعتبر الأكثر حراسة , حيث يوجد حتى في المراحيض عدسات تصوير على مدار الساعة ؟ وما الذي دفع هذا السجين إلى الانتحار – فيما لو كان هذا انتحاراً ؟ وكيف انتشرت هذه القضية على نطاق واسع ؟ والمثير للانتباه أكثر هو عدم إثارة أعضاء الكنيست موضوع حظر النشر , والذين عمل غالبيتهم قبل وقت قصير في الصحافة . ولم يثر قلقهم الاستدعاء التاريخي القديم لما كان يسمى ( لجنة المحررين ) وأصبح اليوم المحررون الرؤساء – وهي حلقة الغرض منها إسكات وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنعها من الاهتمام بالتحقيق الاسترالي – ولأنهم باتوا يعلمون ما لا يجوز للمواطن الإسرائيلي معرفته .
من الضروري معرفة من الذي أصدر أمر استدعاء المحررين وأحدث موجة اشاعات وتكهنات في الوقت الذي كان يتوقع الجميع أن الأمور سوف تتضح في غضون ساعات قليلة . وكان الأحرى بمكتب رئيس الوزراء التوجه إلى المحكمة والمطالبة برفع حظر النشر . وإسداء النصح إلى نتنياهو بأنه ليس من الحكمة الاستمرار في إخفاء المعلومات بعدما انكشفت القضية على العلن . نظراً لأن الكتمان والتهرب من كشف الحقائق أضرت أكثر مما كان سيحدث لو أدركوا أنهم يعيشون في عصر شبكة الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي . وذكرني الشعور بحالة نفاد الصبر الحالية بحادثة وقعت في السابق حيث شارك الموساد في عملية فاشلة أدت لاختلال , وهي محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن .
إلا أن الحكومة حينها برئاسة أرييل شارون عالجت الخلل ببرود أعصاب واهتمت بإصلاح الخلل , وأعادت عميلي الموساد إلى إسرائيل , الذين تم اعتقالهما وذلك مقابل انقاذ حياة مشعل . ويعلم الجميع أنه لولا حنكة وتدخل شارون لكان لحق الضر بإسرائيل أكثر من الضرر الذي يلحق بها حالياً في تلك القضية . ونسأل هنا لماذا لا نتعلم من التجارب السابقة ولدينا منها الكثير ., ونصر دوماً على الظهور بمظهر الدولة الظلامية , ذات النظام الظلامي . ربما ينبغي علينا أن ندرك انه لا يكفي أن يقف القانون إلى جانب هذه القرارات التي تتيح سلب حرية إنسان وعزله في ظروف غامضة كالحالة التي نواجهها الآن . بل إن القضية تحتاج إلى عقل سديد وإلى إحاطة عميقة بالواقع ومرونة وتكيف سريع مع ما يحدث على الأرض وقدرة على الرد بصورة مناسبة . ولكن في الحقيقة نفتقد إلى كل هذا .