ويمكن ان نزعم ان هذه القضية قد افضت في مراحل معينة الى تعكير العلاقات بين الطرفين أكثر من كل قضية اخرى كانت مطروحة بين الجانبين،وبحسب معاريف اعتمدت جميع الادارات حتى ادارة الرئيس ريغان الى تحديد موقف الولايات المتحدة من المستوطنات على أساس معيارين: أ – المستوطنات غير قانونية. ب – المستوطنات عائق أمام السلام.
الادارات الأميركية المتعاقبة بين معارضة الاستيطان والتسليم به
وشذ عن ذلك ادارتان جمهوريتان كانت الاولى هي ادارة ريغان الذي أكد أنه لا يقبل قول ان المستوطنات غير قانونية، ومع ذلك انتقد صورة نشاط المستوطنات ومعدل نموها وعرّفها بأنها متحدية، وكانت الثانية ادارة جورج بوش (الابن)، التي صاغت نظام تفاهمات شاملا مع رئيسي الوزراء «شارون» و«اولمرت» في قضية المستوطنات، وكان معنى التفاهمات اعترافا فعليا محدود الطابع بالمشروع الاستيطاني مع افتراض ان البناء سيتم تحقيقه في مخطط متفق عليه بين «اسرائيل» والولايات المتحدة.
ويمكن بالنظر الى الوراء ان نقول ان المعارضة الامريكية الطويلة لمشروع الاستيطان لم تحرز هدفها لأن مشروع الاستيطان أخذ يتطور بالفعل ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها: أهناك أساس وحكمة في الاستمرار في المعارضة الشاملة لمشروع الاستيطان؟ تثبت التجربة التاريخية ان المعارضة الدولية لمشروع الاستيطان بعامة والامريكية بخاصة التي حظيت بدعم دوائر واسعة في داخل الكيان الاسرائيلي، لم تنجح في وقف هذا المشروع ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها هل استمرار المعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان قد تضر بمنزلة الولايات المتحدة وجلالة شأنها في النظام الدولي وبأي قدر، ويُسأل من تلقاء نفسه سؤال ألم يحن الوقت لتحول في سياسة الادارة الامريكية في قضية المستوطنات
وبرغم علم الادارة الامريكية بعدم نجاحها في وقف مشروع الاستيطان، لن تتبنى أبداً اقتراح التسليم لهذه الظاهرة، فالمعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان يدعمها ويؤيدها المجتمع الدولي كله الذي هو أكثر تطرفا من الولايات المتحدة، وتقوم المعارضة الامريكية على اعتبارات اخلاقية وقانونية وسياسية، وعلى حسب وجهة نظر الادارات الامريكية على اختلاف حقبها، فان مشروع الاستيطان يضر ضررا شديدا لا بمصلحة الولايات المتحدة فحسب بل بمصالح «اسرائيل» ايضا، وبحسب هارتس :«يجوز ان نذكر ان هذا الموقف الامريكي يحظى بتأييد واسع ايضا من الجمهور والجهاز السياسي في «اسرائيل»، وعلى ذلك فليس من المعقول ان تتبنى الادارة الامريكية توجه التسليم لمشروع الاستيطان»
ويمكن اليوم بنظرة الى التجربة التاريخية لأكثر من اربعين سنة ان نقول ان المعارضة الواسعة لمشروع الاستيطان من المجتمع الدولي بعامة والادارة الامريكية بخاصة، وفي حلقات واسعة في «اسرائيل»، لم تنجح في وقفه، ويعتقد كثيرون حتى من بين أقوى معارضي مشروع الاستيطان بل يعتقد اشخاص من المسؤولين الكبار في القيادة الفلسطينية انه نجح في إحداث واقع مناطقي وسكاني لا رجعة عنه تقريبا في الشرق الاوسط، ويؤثر هذا الواقع في طائفة كبيرة من موضوعات الشرق الاوسط ولا سيما استمرار مسيرة السلام في المنطقة.
هل تغيرإدارة أوباما نظرتها من الاستيطان ؟
تقوم سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الأساس على التأليف بين توجه قيمي ايديولوجي وتوجه عملي براغماتي، وتُثبت التجربة التاريخية أنه في حالات كثيرة حينما أدركت الولايات المتحدة أن معارضتها لإجراءات ما لا بقاء لها غيرت سياستها ولاءمتها للواقع القائم، فقد عارضت الولايات المتحدة بشدة نقل المكاتب الحكومية والكنيست الى القدس بعد اقامة الكيان الاسرائيلي، وسلمت بذلك آخر الامر وإن يكن ذلك جزئيا، وعارضت بشدة تطوير الاختيار الذري في «اسرائيل» لكنها توصلت مع «اسرائيل» آخر الامر الى تسوية تفاهمات في هذه القضية الحساسة، وعارضت الولايات المتحدة سنين طويلة الاعتراف بالصين لكنها اضطرت آخر الامر الى تغيير مواقفها بإزاء واقع لطمها على وجهها.
ويمكن في سياق ظاهرة الاستيطان ايضا جعل الادارة الامريكية تعترف بمحدودية قوتها على التأثير في هذه القضية تأثيرا كبيرا، وسيكون الاستنتاج من هذا الاعتراف بمحدودية القوة ان توجب المصلحة القومية للولايات المتحدة عليها ان تتوصل الى تسوية تفاهمات مع «اسرائيل» في قضية المستوطنات على أساس المخطط الذي وصف آنفا، إن استمرار تمسك الولايات المتحدة بالموقف المعتاد الذي يرفض المشروع الاستيطاني رفضا باتا يضر بمكانتها وعلاقتها بـ«اسرائيل»، ولا يفضي الى انجاز يخدم مصالحها القومية.
وفي تقرير لمعاريف قال كاتب التقرير:«بعد عواصف سابقة، في القدس يتعلمون الدروس: سياقات البناء في القدس وفي يهودا والسامرة ستعلق وفق أمر نتنياهو، الى ما بعد زيارة الرئيس الامريكي براك اوباما الى اسرائيل
وحسب التعليمات التي صدرت عن مكتب رئيس الوزراء للمستوى ذي الصلة في وزارتي الدفاع والاسكان، ففي الاسابيع القريبة لن تنشر عطاءات بناء جديدة في هذه المناطق. كما أن المخططات التي انتهت عملية اعدادها لن تنقل الى الايداع، وستؤجل ايضا اعمال بيروقراطية اخرى تفترض النشر العلني.
هذا وقد نقلت التعليمات بتعليق نشر عطاءات البناء الى المحافل الميدانية بشكل غير رسمي: في مكالمات هاتفية اجراها نتنياهو مع الجهات المختصة شدد على أن هذا ليس تجميدا بل «تعليقا هدفه عدم احراج الساحة في ضوء زيارة الرئيس». بمعنى أن هذا ليس تجميدا شاملا للبناء، بل مجرد خطوة تأجيل ترمي الى الاعفاء من الحرج لاسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.
وتقول محافل اطلعت على الامر انه ليس مثلما في جولات التجميد السابقة التي أمر بها نتنياهو، هذه المرة يدور الحديث عن خطوة معتدلة وموزونة مفهومة في ضوء الظروف.
الخلفية لطلب نتنياهو هو حادثة رمات شلومو، التي وقعت في اثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن قبل ثلاث سنوات: في حينه نشرت خطة البناء في الحي في ذروة الزيارة، الامر الذي اثار غضب بايدن وأحدث أزمة شديدة في علاقات اوباما ونتنياهو. وفي أعقاب الحادثة اياها اوقف نتنياهو على مدى اشهر البناء في العاصمة، ولم يستأنف الا بعد نحو سنة.
وكتبت هارتس في الاتجاه نفسه :«يقدر كبار مستشاري نتنياهو بان الحكومة الجديدة التي تتشكل لن يكون أمامها مفر غير أن تجمد في غضون اشهر قليلة البناء في المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبرى ويعتقد رئيس الوزراء ورجاله بان الضغط الدولي الذي سيمارس على اسرائيل سيستوجب منها اتخاذ خطوات سياسية حتى لو لم تؤد الى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فستساعد على الاقل في ترميم مكانتها لدى اصدقائها في الغرب واشار مصدر في محيط نتنياهو الى أن مستشار الامن القومي، يعقوب عميدور والمبعوث الخاص اسحق مولخو على حد سواء يؤيدان تجميدا جزئيا للبناء في المستوطنات وقد قالا ذلك لنتنياهو ومؤخرا كشفت «هآرتس» النقاب عن أن عميدور قال في احاديث مغلقة في مكتب رئيس الوزراء ان استمرار البناء في المستوطنات يلحق ضررا سياسيا باسرائيل ويؤدي بها الى خسارة أصدقائها التجميد الذي يتحدثون عنه في محيط رئيس الوزراء لن يتضمن شرقي القدس والكتل الاستيطانية الكبرى – معاليه ادوميم، غوش عصيون واريئيل. وبالمقابل فانه سيؤدي الى وقف البناء في المستوطنات المنعزلة خلف جدار الفصل. مثل هذه الخطوة ستنقل الى العالم رسالة تقول بان اسرائيل لا تتطلع الى السيادة في المناطق خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، في اليوم التالي لتوقيع اتفاق السلام مع الفلسطينيين.