رجاء بن سلامة في مواجهة «قضاة» تونس الجدد:«ســــاعة العقـــــل اللهّـــاب»
فضاءات ثقافية الأحد 10-3-2013 كتب أبولينير في إحدى قصائده احتفاءً بالشّمس وبالصّيف العائد: «هي ذي ساعة العقل اللهّاب». مجاز شعريّ يمكن استعارته لتسمية النضال الشرس الذي تخوضــه المفكّرة والناقدة والأكاديمــيّة التونســيّة رجاء بن سلامة منذ سنوات أمام «قضاة» العقل القديم وجميع المطالبــين باستــقالة العقل ببساطة، والذي تجعلها تجلــيّاته الجديدة تواجه «القضاء» التونسيّ وتهــمة الاعتقال لدواعٍ تتعلّق بحــريّة الرأي!
رجاء بن سلامة أستاذة جامعيّة وناقدة ومنظّرة للشعريّة عرفها القرّاء عبر أعمال فكريّة ونقديّة عديدة تتمتع بالعمق والفرادة في معالجة المفاهيم والتصوّرات وتفكيك النّصوص الأدبية والفلسفيّة والتشريعيّة، لها في النقد الأدبيّ وقراءة الشعر والنثر الـعربيّ القديمَين كتابان مهمّان. ولها دراسة قيّمة في الأنثروبولوجيا الثقافية نشرتها دار الجنوب بتونس عام 1999 تحت عنوان «الموت وطقوسه من خلال صحيحَي البخاريّ ومسلم». ثمّ صدر لها كتابان يعبّران خير تعبير عن النّضال الفكريّ الذي قرّرت منذ سنوات أن تكرّس له جلّ نشاطها وكتاباتها.
صباح الخميس المصادف 27 من شباط المنصرم، استُدعيت رجاء بن سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة للاستماع إلى أقوالها في القضية التي رفعها ضدّها المقرّر العامّ للدستور الحبيب خضر، وفُرِض عليها أن تمْثل أمام قاضي التحقيق نفسه من جديد يوم الجمعة المصادف الخامس من نيسان القادم. تواجه الكاتبة والأســتاذة الجامعيّة تهمة «القذف بمقرّر عامّ» و«ثلـــبه»، وهي التي لم تقم سوى بالتــصريح عبر إحــدى الفضائيّات في تشرين الأوّل من العــام الماضي بكون خضر قد «سمــح لنفسه بتعــديل الفصل 26 من مشروع الدســتور المتعــلّق بالحــريّات والإعلام، وذلك بعد أن تمّ تبنيــه، أي الفصل، من قبل لجنة الحقوق والحريّات بمجمــوع أحد عشر صوتاً مقابل عشرة أصوات». وأضافت الكاتبة أنّ الســيّد خضر إنّما «قام بتعديل الفصل ليفرغه من محتــواه»، وأشارت إلى أنّ «نقدها كان مدعّماً بردود فعــل عدد من الأعــضاء الذين احتجّوا على التغيــيرات بخصوص هذا الفصل في نسخته الأولى» وفي مناسبات أخرى، كانت الكاتبة قد احتجّت على اعتزام بعضهم تعديل فقرة من الدستور التونــسيّ تقول بمســاواة المرأة والرّجل في الحقوق والواجبــات لتحــلّ محــلّها عبارة «المرأة مكمّل للرّجل»، الطّالعــة من مستودع الفقه السلــفيّ الذي حســب التونــسيّون أنّهم تحرّروا منه منذ عقود، وكان ذلك، وبحقّ، مبعث افتخارهم أمام بقيّة الأقطار العربيّة.
ذهبت رجاء بن سلامة إلى المحاكمة صباح الخميس ذاك يرافقها عدد معتبر من الأساتذة الجامعيين وأعضاء من المجلس التأسيسيّ التونسيّ، وقفوا أمام مقرّ المحكمة الابتدائية بالعاصمة وقفة مساندة تأتي لتؤكّد إصرار المثقّفين التونسيّين على الدّفاع عن حريّتهم الفكرية وعن كرامة المثقّف وسائر المواطنين أمام المحاولات الجارية لمصادرة الفكر وتكميم الأفواه. وفي تصريح خاصّ لجريدة «التونسية» الإلكترونيّة صباح المحاكمة، قالت رجاء بن سلامة: «لقد تمّ استدعائي إلى مكتب التحقيق الثالث بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة للاستماع لأقوالي بخصوص القضيّة التي رفعها عليّ المقرر العامّ للدستور والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي الحبيب خضر، وذلك على خلفيّة تصريحاتي في برنامج «بلا مجاملة» بقناة «حنبعل» يوم الأحد 14 تشرين الأّول 2012 حول مشروع الفصل 26 من الدستور الخاص بحرية التعبير. وقد فوجئتُ بالحبيب خضر يرفع شكاية ضدّي». وأضافت بن سلامة: «من المؤسف أن يُحاكَم اليوم الأستاذ بسبب آرائه وأفكاره وإنّ ذلك يعدّ دليلاً على عدم قبول النقد وقيم الديموقراطية .
ومن سخرية الأقدار أن تضطرّ رجاء بن سلامة إلى التصريح على صفحتها الخاصة في «الفيسبوك»، على هامش «محاكمتها»، بما يأتي: «لم أسرق، لم أحرّض على العنف، لم أقتل، لم أعتدِ بالعنف على الأشخاص والممتلكات. فقط أبديت رأياً سلبيّاً في السيّد الحبيب خضر المقرّر العامّ للدّستور في المجلس الوطنيّ التأسيسيّ. التهمة: ادّعاء بالباطل على موظّف. في عهد بن علي لم أُسجَن، ولم أتعرّض إلى مضايقات. بسبب آرائي منعوا بعض كتبي. الآن الأمر مختلف. ولكنهم لن ينجحوا في تكميم أفواهنا وأقلامنا» .
|