نحن أولادكِ يا سورية، نعرف طعمَ حليبكِ ونعرف كيف يكون الوفاء، وكيف ينمو فينا الإخلاصُ لجدائلكِ المغرّدة مع الريح والعصيّة على زمن البترول..
نحن أولادكِ الذين نمنا طويلاً في ظلّكِ ومن الطبيعي أن نحرص الآن على قامتكِ ولا نسمح لأي مقرفٍ أن يرمي ولو عقب سيجارة على ترابٍ اغتسل بالدم والكبرياء..
علّمنا أولادنا وتعلّمنا منهم أن الحياة وثبةُ حقّ وصيحةُ مجد، وأن العمر لا يقاس بعدد السنين بل بما نحدثه ونفعله في هذه السنين، وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها أمنّا الحبيبة سورية فإن ثمّة ما يجب تكريسه في العلاقة بيننا كأبناء وبينها كأمّ..
مهما قست علينا – ولم ولن تقسو – فهي الأم الرائعة التي تستحق منّا كل الحبّ والتقدير والعرفان بالجميل.. سورية ليست حكومةً لا يعجبنا أداءها ولا وزيراً لا يقنعنا بعمله ولا مديراً عاماً حوّل مديريته إلى مزرعة خاصة ولافشرطياً لا يرى في المواطن إلا جيبه...إلخ، سورية أنا وأنت وهو وهي، وبقدر ما نستطيع أن نرتقي بعملنا وبسلوكنا إلى الجيد بقدر ما تزداد عفّة أمنّا ولا نظنّ أن هذا الأمر صعب علينا أو أنه موضع نقاش.. من الطبيعي أن نصدّق أنه كلما زادت منعة بلدنا كلما كنّا أكثر سعادة في الحياة وأكثر قدرة على التغيير الإيجابي فيها..
هل من السهل التصديق بأن الأم تكون مسرورة عندما ترى أبناءها يموتون أو يُهجّرون؟
لا تتمنى أي أمّ أن يتعرض أياً من أبنائها ولو لوخزة دبوس وهكذا هي سورية لكن حتى الدجاجة تستوحش عندما يقترب أي أذى من صغارها وبالتالي فإن ما تقوم به سورية كأم هو الدفاع عن حياة أبنائها ويجب أن نكون عوناً لها لا عبئاً عليها..
هل من السهل التصديق بأن من يهدينا النار والبارود أرقّ قلباً علينا من سوريانا؟ إذاً فلنزرع أجسادنا وأرواحنا في مواجهة محاولاتهم القذرة..
على وقع ذكرى ثورة آذار المجيدة نستعيد نفحات تلك الأيام الجميلة التي زرعناها عملاً وعطاءً..
ثمة تفاصيل كثيرة لا يكترث لوجودها شبابنا هذه الأيام لأنهم ولدوا وهي موجودة وتشكل جزءاً من روتين حياتهم..
هذه المدارس التي تجلسون على مقاعدها وستنطلقون من صفوفها إلى حياتكم المستقبلية هي ثمر الزرع الذي غرسته ثورة آذار فكراً ونهجاً وعملاً منذ أربعة عقود من الزمن، وتلك الجامعات التي تنتظركم وتناديكم هي نتاج سياسة عظيمة صاغتها ثورة البعث من أجل الاطمئنان على مستقبلكم..
لن نعدد مكتسباتنا في ظل ثورة آذار، ولسنا مضطرين لأن نكون بعثيين حتى ننعم بهذه المكتسبات والتي كانت على الدوام في متناول الجميع وإنما نعرّج عليها في إطار معايشة أفكار شبابنا الغيورين على بلدهم وعلى ما حققه بلدهم على مدى سنوات طويلة من الكفاح والجدّ والعمل، وكيف يبرر البعض للمخربين ما يفعلونه ويُحدثونه من خراب وتدمير لهذه المنجزات وكأن الجامعة التي يضرمون النار فيها هي لابن الوزير ولابن المسؤولين فقط أو كأنهم أنفسهم لم ينهلوا من علومها ولم يستفيدوا من مجانيتها؟
زبدة ما نتمناه من شبابنا (وهو موجود لدى معظمهم) هو أن يضعوا البلد ومؤسساته في المقام الأول وألا ينظروا إلى المدرسة على أنها ملك حزب معين أو صناعة تيار سياسي محدد بل يعتبرونها مؤسسة وطنية وحمايتها مسؤوليتنا جميعاً وأن يعرفوا كيف يقولون (لا) لمن يحاول تحويلها إلى مصنع لإنتاج الشائعات وربما ما هو أبشع في بعض الأحيان..
وما نتمناه أيضاً من أبنائنا الشباب هو ألا ينجرفوا خلف معلومات غير دقيقة تقال أحياناً بحسن نية وأحياناً أخرى عن خبث نيّة وتنفيذاً لوجهة نظر غير وطنية!
إنه لمن الجميل ألا نكون ناكري جميل وأن نعترف لثورة البعث وما تلاها بما أنجزته من باب القيم والأخلاق لكن الأهم من هذا كله هو أن نعرف كيف نحافظ على ما هو موجود على اعتبار أنه لنا جميعاً..
سوريانا الجميلة.. لملمي جراحكِ ومدّي ذراعيكِ فوقنا خيمةَ حبّ ومأوى ظامئ، فخلف تخوم الخيال مئات النجوم تلوح، وأنت يا سورية طرّزتِ وجهكِ بلون الصباح وعطّرتِ ثغركِ ببوح الأقاحي وألف حكاية حبّ إذا ما تمايلتِ تُروى..
ألا يليق بنا نحن المحبّين أن نقبّل وجنتيكِ كلّ صباح وقد حفظتِ لنا كلّ مواثيق الودّ والهوى في زمن صارت فيه «العروبة» غصّة، وفي زمن وقف فيه العنبُ ضدّ الكرم والقصبُ ضدّ الساقية!