بهدف الوصول إلى مقاربة بين الافكار للخروج من الأزمة التي تمر بها سورية ما يسهم في تحقيق التواصل بين أبناء الوطن الواحد.
.. في دمشق تلتقي « القومي السوري الاجتماعي » و«الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي»
دمشق - الثورة:
بحثت اللجنة الفرعية المكلفة وضع الاليات اللازمة لدعوة المعارضة الوطنية ومختلف القوى السياسية الى الحوار في دمشق مع الحزب القومي السوري الاجتماعي والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي في مبنى محافظة دمشق في تقديم رؤى واراء الفعاليات الرسمية والشعبية البدء بحوار شامل. وتناول اللقاء تبادل وجهات النظر حول ظروف الازمة الحالية التي تمر بها سورية وانعكاساتها السلبية على الوطن والمواطن حاليا ومستقبلا ووضع المقترحات اللازمة للخروج منها من خلال التقريب بين وجهات النظر المختلفة لابناء الشعب العربي السوري الواحد والتأكيد على الدور القيادي والهام للاحزاب السياسية في المجتمع السوري وتوحيد الافكار والرؤى المستقبلية لاعادة بناء سورية الغد بمشاركة كافة اطياف المجتمع السوري وذلك من خلال تقديم ورقة عمل لمؤتمر المصالحة الوطني الذي سيعقد لاحقاً.
واكد السيد بشر الصبان رئيس اللجنة الفرعية ان الحوار هو عبارة عن لقاء تمهيدي تشاوري لبحث شكل وآلية ومضمون الحوار كما رحب السيد المحافظ باسمه وباسم اللجنة باعضاء الاحزاب واكد على اهمية ان يكون اختيار اعضاء الحوار الممثلين للحزبين اختيارات مناسبا ومن اصحاب المعرفة والخبرة والكفاءة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
من جانبهم عبر اعضاء الحزب القومي السوري الاجتماعي عن ألمهم باستشهاد مدير مكتب السيد المحافظ وعبروا ان الحياة الاجتماعية غاية حزبهم لعمل دولة قوية ذات مستقبل واهداف واكدوا ان الحوار وسيلة وليس غاية وغايتنا هي القضية السورية، كما اكدوا احترامهم القانون وقانون الاحزاب وبحكم عقيدتهم يحترمون كافة القوانين حتى تتغير بما يخدم مصلحة سورية التي هي فوق كل مصلحة، مشيرين ان سورية بالنسبة لهم هي سورية بحدودها الطبيعية وان نتائج الحوار مرتبطة بملامسة كافة المواضيع الشائكة كما اكد اعضاء الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي على اهمية دور الحوار حيث ان معظم الدول التي حدث فيها اقتتال داخلي لم يتوقف الاقتتال فيها الا بعد جلوس كافة الاطراف على طاولة الحوار فمشاركة الشعب السوري في الداخل والخارج بكامل اطيافه من العمال والفلاحين والمثقفين بالحوار هي السبيل الوحيد للخروج من الازمة.
.. وفي حماة ممثلو الطلبة يطالبون بمشروع وطني
يضمن مساهمتهم في الحياة السياسية والمؤسساتية
حماة - سرحان الموعي:
ناقشت اللجنة الفرعية المكلفة بوضع الآليات اللازمة لدعوة المعارضة الوطنية والقوى السياسية إلى الحوار في حماة أمس مع ممثلي الطلبة في المحافظة تصوراتهم حول شكل ومضمون مؤتمر الحوار الوطني تنفيذاً للبرنامج السياسي لحل الأزمة في سورية.
وأكد محافظ حماة رئيس اللجنة استمرار عقد اللقاءات التشاورية مع مختلف القوى والفعاليات والهيئات وأطياف المجتمع على مستوى المحافظة والاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم التي تساعد في وضع الأسس اللازمة لنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي ستشارك فيه كل فعاليات المجتمع مشيراً إلى أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب والطلاب في تفعيل مؤتمر الحوار الوطني بهدف الخروج من الأزمة باعتبارهم الشريحة الأكبر والأهم في المجتمع التي يعول عليها بناء مستقبل سورية المشرق.
بدوره أكد جهاد مراد أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في حماة أهمية الاستفادة من أفكار وآراء ومقترحات جيل الشباب الذي يملكون مواهب متنوعة ومهارات عالية وكفاءات علمية وعملية متميزة ينبغي استثمارها في تجاوز أخطاء الماضي والتطلع إلى مستقبل واعد للوطن تؤدي فيه جميع فئات المجتمع وخصوصاً الشباب دوراً فاعلاً في بنائه وإعلاء صرحه.
وأوضح الدكتور محمد العمادي مدير فرع جامعة البعث في حماة أن شريحة الشباب تستأثر بنسبة تزيد على 40 بالمئة من المجتمع داعياً إلى البدء بالحوار عن طريق تحليل الأزمة وتبسيطها للوصول إلى حلول شاملة وجذرية لها مؤكداً حرص فرع الجامعة بحماة وجميع العاملين فيها تقديم كل الإجراءات والتدابير اللازمة لتيسير وتسهيل أمور الطلبة وذلك ضمن الظروف والإمكانيات المتاحة.
وشدد الطلبة على ضرورة تمثيل الشباب وخصوصاً المثقف منهم بشكل كاف في مؤتمر الحوار باعتبارهم الشريحة الأوسع على امتداد الوطن والخروج منه بمخرجات وآليات تعالج أسباب وآثار الأزمة وتضمن عودة الأمن والاستقرار وبناء مستقبل سورية بحيث تتابع تنفيذها لجان متخصصة بكل شأن إضافة إلى الخروج بمشروع وطني يضمن زيادة وتفعيل مشاركة الشباب السوري ومساهمتهم في الحياة السياسية والمؤسساتية وصنع القرار وخلق فرص عمل للخريجين.
ودعا الطلبة إلى تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن واعتماد الشفافية والمصارحة في العلاقة بينهما والإشارة إلى مكامن الخطأ وتصويبه ومكافحة الفساد ومحاسبة تجار الأزمات ومستغليها ومعالجة الاحتياجات الأساسية للمواطنين التي تأثرت بفعل الظروف الراهنة.
وطالبوا بتسهيل عملية مرور الطلبة على الحواجز الأمنية ومعالجة أوضاع الموقوفين منهم ونشر ثقافة التسامح والمحبة بين السوريين لبلسمة جراح الوطن وتحمل الشباب لمسؤوليتهم الوطنية في المشاركة والدعوة إلى الحوار الوطني وتمتين اللحمة الوطنية وقطع الطريق أمام كل من يحاول تمرير مخططاته لتقسيم الوطن وتفتيته واستنزاف خبراته وإمكانياته بغية إضعافه.
وفي الشأن الخدمي طالب ممثلو الطلبة في المحافظة بتزويد المعاهد التقنية الصناعية والتعويضات السنية والحاسوب بالمزيد من الأجهزة والمعدات والمخابر لتطوير وتحسين كفاءاتهم العملية وزيادة ساعات التدريس العملي لإتاحة الفرصة لهم رفع مهارتهم التطبيقية والاندماج في سوق العمل ومعالجة ضيق كلية طب الأسنان في ظل انتقال الكثير من الطلبة من المحافظات السورية للدراسة فيها الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً في اعداد الطلبة والدوام فيها.
كما دعا الطلبة إلى استقلالية فرع جامعة البعث في حماة عن الجامعة المركزية في حمص من النواحي الإدارية والتدريسية وقضايا الطلبة وتقديم المزيد من التسهيلات اللازمة لتسيير أمورهم وانجاز معاملاتهم حيث يواجهون مشاكلاً وأعباء بهذا الصدد واضطرارهم إلى مراجعة الجامعة في حمص بشكل متكرر لإنجاز أبسط الأمور وتأمين عناصر حراسة للسكن الجامعي وضبط دوام الطبيب المناوب فيه وخصوصاً خلال الفترة المسائية.
.. وفي السويداء: الوصول إلى رؤى وتصورات بين شرائح المجتمع
السويداء - جودت غانم:
واصلت اللجنة الفرعية بالسويداء المكلفة وضع الآليات اللازمة لدعوة المعارضة الوطنية ومختلف القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والمنظمات الشعبية الى الحوار لقاءاتها التشاورية حيث عقدت امس لقاء تشاورياً مع النخب الثقافية والاكاديمية، وركز المشاركون على ان البرنامج السياسي لحل الازمة والمبادرة التي طرحها السيد الرئيس ترسم ملامح الحل الآمن للازمة وعلينا ان نترجمه على ارض الواقع لقطع الطريق على كل من يحاول زعزعة الامن وتقسيم الوطن، مع ضرورة ان يلتقي جميع ابناء الوطن من كافة الشرائح والمشارب على كلمة سواء تساعد على وقف نزيف الدم السوري من خلال انعقاد مؤتمر للحوار يجمع كل السوريين دون اقصاء او تهميش اية جهة تؤمن باستقلال وسيادة الوطن، واشارت مداخلات الحضور إلى أهمية انشاء مجلس تأسيسي منتخب مهمته ترتيب ميثاق وطني يحدد صياغة دستور جديد يقرر فيه نوعية حكومة المرحلة القادمة وشكلها وانتهاء الى كل التفاصيل الاخرى بدءاً من قوانين جديدة للانتخابات والادارة المحلية والاعلام وانتهاء بوضع آلية فعالة لمكافحة الفساد وتحديد الاطار الاقتصادي بما يضمن للمواطن حياة كريمة وعدالة اجتماعية أفضل.
من جانبهما الدكتور عاطف النداف محافظ السويداء رئيس اللجنة الفرعية وشبلي جنود أمين فرع حزب البعث بالسويداء أكدا على أهمية ان يلتقي جميع ابناء الوطن فيما بينهم وتقريب وجهات النظر وحل المشكلات العالقة للوصول الى أفكار وقواسم مشتركة بين جميع مكونات الشعب السوري وصولاً الى قيادة سورية الى برّ الأمان.
في ملتقى الخطباء والأئمة في المنطقتين الوسطى والساحلية
وزير الأوقاف: ضرورة الحوار للارتقاء إلى مصالحة وطنية بعيداً عن الفكر التكفيري والشعارات الهدامة
طرطوس - سانا - الثورة - محمد حسين:
أكد الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف أن المجتمع السوري كان وما يزال حاضنا للاعتدال الاسلامي تندمج فيه كل الأطياف في بوتقة الوطن وتتعانق فيه الكنائس مع المساجد.
وأوضح السيد في ملتقى الخطباء والأئمة في المنطقتين الوسطى والساحلية الذي عقد في طرطوس امس بعنوان «دور الخطاب الديني في ترسيخ قيم الحوار والمصالحة الوطنية» أن الخطاب الديني في سورية لايوجد فيه من يبث خطابات الحقد والكراهية والتكفير مشيرا إلى أن من أهم آثار هذا الخطاب ترسيخ قيم الحوار والمصالحة الوطنية والدفاع عن هويته وثوابته ونبذ العنف والإرهاب والتطرف.
وقال وزير الأوقاف «إن هذا الملتقى اعطى الرسالة الحقيقية والجواب الشافي لرجال وعلماء الدين باسم الشعب السوري على أننا أمة واحدة نعيش في وطن واحد فسورية عاشت وما زالت تعيش في تناغم وانسجام اجتماعي متنوع جعل منها لوحة فسيفسائية أعطت اجمل صورة للعالم أجمع» لافتاً إلى أن دور علماء الدين الاسلامي والمسيحي خلال المرحلة الحالية هو نشر ثقافة التسامح والإخاء والمحبة التي تربينا عليها.
واستغرب وجود من يدعو من علماء الدين على شاشات التلفزة إلى العنف والقتل باسم الاسلام ويدخل الافكار المتطرفة والتكفيرية التي تسعى إلى تقسيم المجتمع ويحاول تغرير البعض مؤكدا أن السوريين لم ولن يسمحوا لهذا الفكر التفكيري الاقصائي بأن يدخل إلى عقولهم لأن هؤلاء لا يمتون للاسلام دين الحق والتسامح بأي صلة.
وأوضح الدكتور السيد أن الإرهابيين الذين يمارسون الجهاد باسم الله دخلوا إلى بيوت الله ودمروها كما فعلوا في الجامع الأموي بحلب الذي يعد رمزا للحضارة كما هدموا العديد من الكنائس مبينا أن السوريين أصبحوا يعون جيداً من هؤلاء وماذا يريدون وما خلفيتهم وما سلاحهم.
وأكد أهمية الجلوس إلى طاولة الحوار والسعي إلى حوار حقيقي يرتقي بنا إلى مصالحة وطنية تتضافر فيها الجهود بعيدا عن الغلو والتشدد والفكر التكفيري والشعارات الهدامة تحت مسميات باتت معروفة للجميع داعيا إلى تفعيل دور الخطاب الديني في ترسيخ قيم الحوار والمصالحة الوطنية الذي يعد واجباً شرعياً على الأئمة والخطباء لتكريس هذه القيم من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية.
وألقى خلال الملتقى عدد من رجال الدين في حمص واللاذقية وحماة وطرطوس كلمات تؤكد على معنى التسامح وضرورة الحوار ونبذ العنف ونشر ثقافة التعايش بين مختلف أبناء الشعب العربي السوري.. منوهين بدور الجيش وتضحياته لردّ العدوان على بلدنا ودور الشهداء الأبطال الذين سقطوا دفاعاً عن بلدنا العزيز مطالبين بالاهتمام والحرص ورعايتهم ورعاية أسرهم..
فقد أكد الشيخ فتح الله القاضي مفتي محافظة حمص أهمية هذا اللقاء الذي يجمع رجال الدين لتبادل الآراء والأفكار والتعارف وتوحيد الصفوف واعلاء كلمة الحق وبيان دور دعاة الدين الاسلامي في نقل الصورة الحقيقية للإسلام داعيا إلى العمل لمواجهة ماتتعرض له الأمة من مخاطر والعمل على بناء الانسان البناء السليم والكريم ليتمكن من المساهمة في نهضة مجتمعه ووطنه وامته.
من ناحيته أوضح الشيخ عبد الغني الفران رئيس أرباب الشعائر الدينية في محافظة حماة ان هذا اللقاء يرسخ التعاون والألفة والدعوة إلى المحبة والمصالحة ونبذ العنف وتوحيد الكلمة مؤكدا الالتزام بمبادئ الاسلام السمحة عبر طاولة الحوار والدفاع عن الوطن وحفظه وصونه وعدم تسليمه إلى المتآمرين.
وأشار الشيخ زكريا سلواية مفتي محافظة اللاذقية إلى معاناة الشعب السوري الذي اظهر خلال الأزمة وعيه وحكمته ووقف ضد كل من حاول المساس بسورية داعيا إلى الحوار الذي يؤدي إلى المصالحة الوطنية والحفاظ على عزة الوطن وكرامته.
وأكد ديمترويوس شربك مطران الروم الأرثوذكس في صافيتا أن رجال الدين الإسلامي والمسيحي يتحملون المسؤولية المضاعفة في توعية المواطنين حول كل ما يجري والوصول إلى المحبة الكاملة في هذه المرحلة الصعبة ويتحتم على الشعب السوري أن يتكاتف ويتعاضد لحماية وطنه.
ودعا الشيخ محمد رضا حاتم خطيب جامع فاطمة الزهراء في محافظة اللاذقية إلى التركيز على أهمية تعميم ثقافة التسامح والخطاب الديني المسؤول الذي يعتمد على الضمائر الحية.
بدوره أكد عدنان عبود امام وخطيب جامع علي بن أبي طالب بطرطوس أن سورية بمواقفها وبمبادئها تهدد الوجود الإسرائيلي في المنطقة الأمر الذي جعلها مكانا يمارس عليه الغرب أحقاده داعيا كل من غرر به إلى الرجوع لحضن الوطن وعدم ترك أي مجال للمتآمرين بالتدخل في شؤونه الداخلية.
ولفت غسان داؤود رئيس المجلس الاسلامي الاسماعيلي إلى أن لقاءنا يعبر عن الحب والاخلاص للوطن الذي ينزف على يد جماعات إرهابية مسلحة تستخدم شعارات مختلفة مؤكدا ثقته المطلقة بوعي الشعب وقدرة الجيش العربي السوري على التصدي للإرهابيين ومخططاتهم التآمرية.
وأكد عدد من المشاركين في الملتقى ضرورة نقل الصورة الحقيقية عن الإسلام إلى الغرب وتصحيح الصورة الخاطئة التي تقدمها بعض وسائل الإعلام الغربية حول المسلمين ومحاولة البعض وصف الإسلام بالإرهاب دون وجه حق واعتبار الوحدة الوطنية والتآخي الديني في سورية القائم على التعاون والاحترام المتبادل مع الحفاظ على الخصوصية نموذجاً يحتذى به في العالم.
ودعوا إلى توضيح المعنى الحقيقي للجهاد والفكر التكفيري الذي يحاول الغرب ادخاله وأهمية الحوار في الوصول إلى مصالحة وطنية ونبذ اعمال العنف والقتل ووقف اراقة الدماء وتمويل المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية واعتماد منهج الحوار والتعارف لتقوية أواصر المحبة والتعاون المشترك من اجل حرية الأوطان وكرامة المواطن.
وفي ختام الملتقى كرم وزير الأوقاف وحسن شعبان ومحمد شريتح امينا فرعي حزب البعث العربي الاشتراكي في طرطوس واللاذقية ونزار اسماعيل موسى محافظ طرطوس عددا من رجال الدين الاسلامي والمسيحي.
على طريق الحوار-3
بقلم عفيف دلا
لعلنا في الجزأين السابقين ناقشنا بعض المقاربات لواقع الأحداث في سورية من حيث منشؤها ومسبباتها وأدواتها وناقشنا الأفكار داخل هذه المقاربات بشكل منطقي وموضوعي بعيداً عن الانفعال والتشنج الإيديولوجي، وفي السياق ذاته نتابع مناقشة طرح ثالث يقوم على أن ما جرى في سورية هو جزء من مشروع استعماري كبير على مستوى المنطقة أرادته الولايات المتحدة تماشياً مع تحقيق مصالحها الإستراتيجية ولعل في سياق ما عرضناه في الجزأين السابقين ما يدعم هذا الطرح ليس من منطلق تكريس فكرة المؤامرة فقط دون النظر للعوامل الأخرى والداخلية على وجه الخصوص لكن من منطلق محاولة إيجاد إجابات منطقية لتساؤلات عامة تهدف إلى توصيف ما حدث بشكل لا يقصي أياً من العوامل الموجودة على الساحة السورية لكن بعيداً عن التصلب الإيديولوجي أو البراغماتية السياسية أو السطحية في الرؤية وتقدير الأمور..
أنطلق دائماً في تحليلي للحدث السياسي من أن التاريخ لا تحركه الصدفة بل التاريخ لغة يكتبها القوي ومن حكم على نفسه بالضعف سيبقى خارج معادلة الفعل والتأثير غارقاً في عجزه عن قراءة ما يجري حوله أو فهم مجرى حركة التاريخ بشكل فعلي فالعلاقات الدولية محكومة بالمصالح التي تتأرجح بين القيم الإنسانية والقيم الاستهلاكية فتتراوح بينهما فتكون تارة مدعومة بمنظومة القيم الإنسانية السامية فتكون المصالح هنا متبادلة بين الشعوب في وتيرة بناءة، وطوراً تكون استهلاكية براغماتية عمياء لا ترى إلا ذاتها وغايتها التي لا مشكلة لديها ولو داست على كل ما يقف في طريقها للوصول إليها..
وفي هذا السياق تنعدم العبثية والاعتباطية في الحراك السياسي الدولي إلى حد كبير ويصبح لزاماً على من يتعاطى السياسة الدولية فهم ديناميكية العلاقات الدولية ومعرفة أسسها ودوافعها الحقيقية ليحظى بمكان له تحت الشمس، ويصبح لزاماً أكثر على من لديه قضية يناضل من أجلها أن يستوعب مسار حركية التاريخ والإفادة من تجارب الأمم السابقة في مضمار الوجود والتطور وفهم حقيقة ما لديه من مكامن قوة ونقاط ضعف وطبيعة الأطماع في مكامن قوته من خصومه وأعدائه وإلا فلن يبقى في دائرة الوجود الحسي.. وفي هذا العصر الذي نعيشه لم يتبق خيار أمام الشعوب التي تملك قضية ما إلا أن تكون أو لا تكون فلا هوامش للمناورة إلا في ظل تحقيق مكاسب تشكل رصيداً إضافياً لكينونتها الوطنية والقومية لأنها المعنى الفعلي لمبنى الوجود المادي لهذه الشعوب..
من ينكر فكرة المؤامرة؟؟؟.. مؤامرة القوي على الضعيف كي يبقى قوياً أو يزداد قوة ويبقى الضعيف ضعيفاً ويزداد ضعفاً هي سنة إلهية لا تحتاج إغراقاً في الفلسفة حتى إن المثاقفة بين الأمم كانت تقوم على غزو بعضهم للآخر فالقوي الذي يزهو بقوته سيتمدد حتى يستشعر بقوته أكثر فأكثر والضعيف هاهنا يغري القوي للسيطرة عليه من خلال ضعفه وكلما زاد ضعفه زادت مغريات السيطرة عند القوي ولا أرى إسقاطاً مباشراً لهذا التشبيه إلا في واقع الأمة العربية التي وصل ضعفها إلى حد الهرولة تجاه القوي طلباً للعبودية تحت قدميه بمسميات تجمل قبح الواقع كمسمى "التحالف" الذي لا يجد لنفسه مرتسماً واحداً يدل عليه في سياق علاقة الطرفين..
على كل حال في ظل واقع الضعف الذي يعتري الأمة العربية وهرولة البعض فيها للتفنن في عروض العبودية أمام الأمريكي الذي يرونه الطرف الأقوى دون منازع أو منافس محتمل على الساحة الدولية إضافة إلى زهو القوة لدى الأمريكي في ظل غياب توازن قوة دولي جعلت شهيته الاستعمارية في أقصى حدودها والمطبخ الأمريكي الصهيوني يحضر مقادير طبخته في كل عقد فيحدد عنوانها ومقاديرها وأدوات الطهي فكما كان عنوان العقد الممتد بين عام 1960 إلى 1970 كسر المشروع القومي العربي عبر دعم إسرائيل عسكرياً وبناء ترسانة تجعل تفوقها حالة إستراتيجية في محيطها الإقليمي، كان عنوان العقد الممتد من 1970 إلى عام 1980 تكريس حالة التفوق الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً وتغيير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بإخراج مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية من هذه المعادلة، ثم عنوان العقد الممتد من 1980 إلى 1990 اختراق منظومة الأمن القومي للمنطقة بحربين ضاريتين تستهدفان إسقاط منظومتين صاعدتين الثورة الإسلامية في إيران والنظام السوري بعد أن استطاع الحفاظ على حالة التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل بعد خروج مصر من معادلة الصراع بإقامة مكافئ استراتيجي لها هو محور المقاومة.. ثم عنوان العقد الممتد من عام 1990 إلى 2000 هو العولمة الأمريكية بمعنى تكريس منظومة المصالح الإستراتيجية الأمريكية في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً مستفيدة من حدثين بارزين صنعتهما أمريكا والامبريالية العالمية وهما حرب الخليج الثانية (غزو العراق للكويت) التي أعطت الشرعية للولايات المتحدة بالولوج إلى المنطقة عسكرياً وانهيار المنظومة الاشتراكية وانتفاء نظام القطبين في الساحة الدولية، أما في العقد الممتد من 2000 إلى 2010 كان العنوان هو الحرب على الإسلام من خلال الحرب على الإرهاب ملصقة الإرهاب بالإسلام لنشر التطرف الديني واستخدمت أمريكا إستراتيجية الحروب الاستباقية لنشر نفوذها في العالم فقامت باحتلال أفغانستان والعراق وممارسة غطرسة القوة الكاسرة للقانون الدولي، أما وقد حققت الولايات المتحدة هذه التراكمات في اختراق منظومة الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي خلال العقود الفائتة على المستوى الإستراتيجي والجيوسياسي كان لا بد من عنوان يتماشى مع ما تحقق من تراكمات فالتغيرات في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة باتت تهيئ البيئة المناسبة لمشروع تقسيم الجغرافيا وإعادة رسمها وفق رؤية الولايات المتحدة لمصالحها فتقسيم الجغرافيا على شاكلة سايكس بيكو 1916 بمعنى تقسيم يفرض بالقوة لم يعد مناسباً ولا يمكن تكرار تجربة استعمارية بنفس الحيثيات والمفردات فكان لا بد من تقسيم الشخصية العربية وتفتيتها وتقسيم المجتمعات العربية ذهنياً ومفاهيمياً بشكل ينفصل الفرد عن واقعه بشكل تدريجي ويصبح التعايش مع الآخر حالة غير طبيعية في سياق النظام العلائقي الاجتماعي فتتكون خيارات أخرى يروج لها بعناوين فضفاضة كحماية الأقليات والاستقلال السياسي وحقوق الإنسان والديمقراطية البعيدة عن مضامينها فعلياً فتصبح في هذه الحالة مسألة التقسيم الجغرافي حتمية إذ هي مطلب داخلي غير مفروض من الخارج بشكل مباشر فنصبح كالضحية التي لم يتكلف قاتلها عناء قتلها فدفعها للانتحار هي بنفسها..
لكن يبقى السؤال الأهم لماذا الفوضى والتقسيم مطلب أمريكي؟؟
إن الفوضى محرك أساسي للتقسيم والتشظي لأنها تتناقض مع وجود كيان واحد جامع متماسك والفوضى هنا ليست الفوضى الاجتماعية أو السياسية فقط بل الفوضى الفكرية والمفاهيمية بالدرجة الأولى التي تكون إسقاطاتها في السياسة والمجتمع تتجلى فيما نشاهده في بعض الدول العربية والدليل على أن التقسيم هو هدف جوهري مما يحصل أن في أغلب الساحات العربية هو ظهور دعوات انفصالية في بعض البلدان والنموذج السوداني في إمكانية وقوع هذا الانفصال والرعاية الدولية له ليس إلا مقدمة تمهيدية لسيناريو شامل لكل المنطقة فالتقسيم أو بمعنى آخر إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة تحقق مجموعة من الأهداف الإستراتجية تتلخص فيما يلي :
• كسر المكافئ الإستراتيجي للمشروع القومي العربي والذي يمثله محور المقاومة في المنطقة الممتد من لبنان إلى إيران وتشكل سورية عموده الفقري وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل إلى الأبد.
• تشريح المنطقة جغرافيا على مستوى الثروات الباطنية الموجودة فيها والتحكم بمسار خطوط النفط والغاز التي لا بد وأن تمر في سورية التي تشكل عقدة حيوية لهذه الخطوط وبالتالي السيطرة على المنطقة هو السيطرة على مستقبل آسيا وأوروبا اقتصادياً بالمطلق.
• تفتيت المنطقة سيجعل من الكيان الصهيوني القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة التي ستدير أطر الصراع المذهبي والطائفي والعرقي فيها ما يجعلها تغرق في أنهر من الدماء ولسنوات طويلة لا يمكن لحقدها أن يزول..
• تدمير الرابطة القومية العربية وبالتالي طمس التاريخ والهوية لهذه المنطقة بالكامل وزرع هوية جديدة لا موروث حضارياً لها منقطعة عن ماضيها، مغتربة في حاضرها تائهة في مستقبلها..
• السيطرة على المنابع المائية الإستراتيجية في المنطقة وبالتالي التحكم بمسار الصراع على الأمن الغذائي في العالم الذي سيكون ربما أحد عناوين المراحل التاريخية القادمة القريبة..
• إغلاق المنافذ الإستراتيجية أمام المنافسين الدوليين ولاسيما الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط من خلال تحويل ساحاتها إلى ساحات من الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية ونشر الإرهاب في جغرافيتها لتصديره حيث تريد المصلحة الأمريكية المصنعة له فكراً وممارسة..
وبمعنى يلخص كل ما سبق إن منطقة الشرق الأوسط كان لا بد لها من أن تكون ساحة صراع دولي بين قوى آفلة تسعى جاهدة للبقاء في زعامة العالم وبين قوى ناهضة عائدة إلى ساحة الفعل الدولي بقوة اقتصاداتها وترساناتها العسكرية ومنطقة الشرق الأوسط هي الجغرافيا الواصلة بين الشرق والغرب فعلياً وبين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا وبالتالي لا بد لها أن تكون ساحة الصراع وبوابة النظام العالمي الجديد الذي سيولد من رحم التناقضات والصراعات القائمة في هذه المنطقة.. ولذلك سارعت الولايات المتحدة لتثبيت أقدامها في هذه المنطقة من خلال مشروع يبرز كل المتناقضات القائمة في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعناوين جذابة كالربيع العربي وثورات الشعوب ضد الاستبداد من اجل الحرية والديمقراطية وكان لابد أيضاً في السياق نفسه أن يكون أشد آلام المخاض الدولي وأكثر الساحات احتداماً في الصراع الساحة السورية لما تمثله سورية من موقع في منظومة المقاومة وما تشكله من دور إقليمي هام وإستراتيجي ويضاف إلى ذلك أنها الدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن تشكل بوابة عبور المنافسين الدوليين الروسي والصيني إلى المنطقة وبالتالي استشراس الصراع في سورية لأن أحد أهم الأهداف الأمريكية يتعطل على مستوى عدم السماح للمنافسين الدوليين بالنفاذ إلى المنطقة وأيضاً أهم الأهداف الإسرائيلية وهو كسر محور المقاومة في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية..
وباعتبار أن الأمريكي يدرك الدور السوري وأهمية الجغرافيا السورية ابتدع كل ما جرى في المنطقة وتخلى عن أنظمة سياسية كانت تظن نفسها أنها حليفة إستراتيجية لأمريكا واستبدلتها بأنظمة جديدة يحكمها لون واحد مكافأة على الدور المنوط به في سورية ولإعطائه الدور الإقليمي المساعد سياسياً ولوجستياً في التأثير على مجريات الأحداث في سورية فالأخوان المسلمون في الثمانينات كانوا الذراع الإسرائيلية الأمريكية التي أرادت استهداف النظام السوري الذي كان يشكل المعادل الإستراتيجي لغياب مصر في معادلة الصراع ولم يتمكن من تحقيق الهدف فعاد ومعه عقيدة وهابية أشد إجراماً وفتكاً بالإنسانية كلها لأنها صقلت في مطابخ الصهيونية العالمية بشكل جيد لتقوم بمهامها على أكمل وجه مدعومة بآلة إعلامية عملت منذ سنوات على الترويج للفكر الديني المتطرف القائم على المذهبية التكفيرية وأكياس مال خليجية وظيفتها فقط التمويل المستمر لهؤلاء وعقيدة وهابية جهادية صنعت في مطابخ المخابرات الأمريكية منذ نشأتها وأدوات محلية تلبس لبوس المعارضة السياسية ممن يحقدون بالأصل على النظام السياسي في سورية من البوابة الطائفية أو السياسية والذين ارتبط معظمهم لاحقاً بدوائر الاستخبارات الغربية أو المرتبطين منذ نشأتهم بتلك الدوائر، لاستثمار وجودهم سياسياً لتسويق فكرة أنهم بديل النظام الحالي والقادمون لا محالة لترسيخ الديمقراطية في سورية كما تريدها إسرائيل فلا قضية وطنية أو قومية ولا مطالبة بأرض محتلة ولا تحالف مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين ولا حلف أو علاقات حتى مع إيران وهذا ما صرح به زعماء ما يسمى بالمعارضة الخارجية..
فهل الاحتضان الأمريكي لهؤلاء ومن شابههم في الداخل والتغطية السياسية لكل الإرهاب الدولي الحاصل في سورية الذي كانت تتشدق أمريكا بمحاربته في أفغانستان والعراق مودية بحياة الآلاف من الأبرياء وهل هذا التكالب الأوروبي والعربي الخليجي والإخواني المصري التونسي الليبي وهل التصريح المستمر علانية بتسليح الإرهابيين ليقتلوا الشعب السوري وإيوائهم في دول الجوار وتدريبهم وهل مخيمات اللجوء التي أنشئت قبل أن ينزح سوري واحد في بعض دول الجوار وعلى رأسها تركيا والأردن.. والتورط الإسرائيلي غير المباشر في البداية والمباشر لاحقاً على خط الأزمة وارتفاع علم إسرائيل في بعض المناطق.. كل ذلك هل وقع بمحض الصدفة ؟؟ وجرى بحكم مسار تطور الأحداث فقط؟
بكل الأحوال ما يزال هناك الكثير ليتسع فوق هذي السطور مما يثبت حقيقة المؤامرة الصهيو أمريكية على سورية وبأن كل ما جرى في الساحات العربية مدبر فقط لخلق مناخ إقليمي مساعد على تحقيق الهدف الرئيسي لأمريكا وإسرائيل ومعهم نعاجهم المستعربة أكياس المال المملوءة حقداً على من يمتلك الحضارة والتاريخ معتقدين بأنهم قادرون على شرائهما بأموال البترو دولار فهم من كانوا يتحدثون عن أحجار الدومينو المتساقطة تباعاً لكن خاب ظنهم أسوأ خيبة في سورية نعم لأن في سورية شعب موحد متماسك مغمس بالحضارة والمدنية والتسامح الديني والسمو الأخلاقي ولأن في سورية جيش عربي عقائدي يعرف عدوه ولا يضيع البوصلة ولا يفرط بالراية العربية المقاومة ولأن في سورية رئيس شاب نثق كل الوثوق به جميعاً كل الشعوب العربية الحرة الأبية فنقول له:
سيتأخر كثيراً ليولد..
إن كان ممكناً أن يولد..
عربي بمثل بطولتك.. بمثل طاقتك العجيبة النادرة على مواجهة الشدائد بالابتسام.. وعلى مقابلة المصاعب بالارتفاع عليها.. ومقابلة تخاذل المتخاذلين بأعصاب تعرف كيف تعطي للصمود معنى المعجزة إذ هي همة رجال لا رقية سحر..