(إسرائيل) التي حصدت وحدها النتائج الإيجابية الكبرى من الفاجعة المريعة التي تعرض لها شعب الولايات المتحدة الذي لا تدري الغالبية العظمى منه شيئاً عن حقيقة ما حدث ولماذا حدث? ولصالح من ارتكبت هذه الجريمة المروعة بحق آلاف الأبرياء من كل القوميات والمذاهب والأديان?
وكان الخاسر الأكبر في تداعيات 11 أيلول هو الاسلام, وإن تكن خسارته لم تبدأ يوم اتهم بالمسؤولية عن التفجير, وإنما سبقت ذلك منذ أن بدأت دوائر أجنبية مريبة تدعم ظهور تنظيمات اسلامية تعلن أفكاراً متطرفة.
وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت نداء الجهاد الاسلامي ضد السوفييت المعتدين على ديار الاسلام في افغانستان, فعبأت من سمتهم الأفغان العرب للحرب معها.
وليس سراً أنها أسهمت بظهور أسوأ نموذج للحكم الاسلامي عبر دعمها لحركة (طالبان) التي قدمت صورة متخلفة للاسلام استغربها المسلمون في أقطارهم, وعجبوا من سلوكها في التعامل مع المجتمع ومع المرأة خصوصاً خلافاً لما هو عليه الحال في كل البلاد الاسلامية.
فقد استغرب المسلمون حكمها على تماثيل بوذا, وحكمها باعتقال مبشرين مسيحيين, لكن المسلمين الأوائل رأوا منذ عصر الفتوحات تماثيل بوذا في آسيا, ورأوا سواها من التماثيل من آلهة اليونان والرومان في سورية ومصر والشمال العربي الافريقي ولم يفكر أحد بهدمها.
ولا تزال إلى اليوم شواهد حضارية في المدن الأثرية أو في المتاحف الاسلامية, فما الذي دعا (طالبان) إلى هذه الفتوى الغريبة التي عارضها علماء المسلمين, وما سر هذا التوقيت?!
حين وقعت الواقعة يوم 11 أيلول أعلنت (إسرائيل) على الفور مستبقة أي تحقيق أن الفاعلين هم عرب مسلمون, وبدأ تلفيق الروايات, وأمام ثورة الغضب والمشاعر الغربية الناقمة الهائجة بات التشكيك بالرواية الأميركية -الصهيونية أمراً يثير الحنق, فلا يحق لأحد أن يطالب بتحقيق دولي, ولا أن يناقش التناقضات الواضحة في الرواية.
بل لقد منعت وسائل الاعلام الأميركية ذاتها من المناقشة ولكن كثيرين في المجتمع الإنساني لم يقبلوا الرواية وقد اتجهوا إلى الاعتقاد بأن مجموعة من أصحاب النفوذ في الولايات المتحدة هي التي نفذت العملية.
بل سيطرت على القرار السياسي فيها, لزجها في حرب شاملة ضد العرب والمسلمين بدأت في أفغانستان ثم انتقلت إلى العراق.
وهي تسعى إلى توسيع رقعة الحرب ليس بهدف أن تسيطر الولايات المتحدة على أهم مناطق الثروة في العالم فحسب, وإنما لهدف أخطر لدى هذه المجموعة, هو تحقيق الهدف الصهيوني بإقامة دولة (إسرائيل الكبرى).
وتداعيات أيلول كشفت أن الجريمة المروعة التي عصفت بالولايات المتحدة أخرجت (إسرائيل) من الطريق المسدود الذي واجهته بعد فشلها في كامب ديفيد الثانية, وبعد أن حاصرتها انتفاضة الأقصى, وبعد أن فقدت تأييد المجتمع الدولي لها, وحملتها البشرية مسؤولية افشال عملية السلام من مدريد إلى أوسلو.
وبعيداً عن حديث المصالح الأميركية والنفط والغاز والاستراتيجيا والصراعات المرتقبة والنظام العالمي الجديد الأميركية وترددات ما جرى على العالم يهمنا أن نسعى إلى معرفة حصيلة ما بعد الزلزال على العرب والمسلمين ورصد حسابات الخسائر والأضرار والأخطار المجتمعة في نقطتين رئيستين:
1- صورة العرب والمسلمين: يمكن القول إنه ما من دولة عربية إلا وتضررت من جراء هذه العمليات الخرقاء بغض النظر عن مبرراتها وأهدافها وهوية منفذيها والمحرضين عليها.
علماً أن عملية الشحن الدعائي والنفسي والعدائي قد سبقت 11 أيلول وبلغت ذروتها إبان سنوات انهيار الاتحاد السوفييتي وزوال الخطر الشيوعي حيث ظهرت نظريات تحريضية ظاهرها علمي تحليلي وباطنها حاقد ومغرض ومشبوه تصور الاسلام وكأنه الخطر الوحيد القادم الذي يهدد الحضارة الغربية والعالم.
ومن هنا انتشرت شعارات مثل (صراع الحضارات) و(الارهاب الاسلامي والعربي) و(نهاية التاريخ) و(الاسلاموفوبيا) وبكل أسف, فإن بعض الجهات والحركات والشخصيات الاسلامية قد أسهم في الترويج لهذه النظريات وقدم الحجج والذرائع للجهات المعادية للمضي في غيها ومنحته وقوداً لإذكاء نيران حقدها وحملاتها المغرضة والتحريضية سياسياً واعلامياً وأخيراً مالياً.
ومن يحاول رصد حسابات الأضرار يدرك جيداً خطورة ما جرى ولا سيما على الجاليات العربية والاسلامية التي بدأت تنخرط في مجتمعاتها الجديدة وتلعب دوراً ملفتاً ومؤثراً في مراكز القرار.
ثم على آلاف الطلاب الجامعيين العرب, ثم على المراكز الاسلامية والثقافية التي بدأت تحتل مواقع متميزة في الغرب بعدما شهدت ازدهاراً كبيراً ولقيت التشجيع حتى من حكوماته.
2- قضية فلسطين, واستطراداً قضية السلام في المنطقة, فقد وجدت الصهيونية العالمية المتمثلة بإسرائيل ما جرى في نيويورك وواشنطن فرصة ذهبية ثمينة لا تعوض لتنفيذ أغراضها الخبيثة وخططها الجهنمية واستغلتها أبشع استغلال لضرب عصفورين بحجر واحد:
الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية والبنى التحتية التي أقامها بدم قلبه ومسيرة السلام والتزاماته وكل ما تحقق أو ما تم الاتفاق عليه من مبادرة السلام الأميركية (جورج بوش الأب) ومرجعية مدريد ومبادىء الشرعية الدولية والأرض مقابل السلام إلى اتفاقات أوسلو وتوابعها ومفاعيلها.
فقد ركب أرئيل شارون ومعه حكومته الليكودية العنصرية المتطرفة موجة (الحرب على الارهاب) التي أطلقتها الولايات المتحدة وأطلق خطة جهنمية وأفلت العقال لآلته العسكرية المتوحشة لتضرب وتحرق وتقتل وتشرد وتعيد احتلال الأراضي الفلسطينية وترهب الشعب الفلسطيني وتحاصره وتنهب ثرواته على أمل أن تنجح -لا سمح الله- بتجويعه وتركيعه وحمله على (الزحف) على بطنه رافعاً راية الاستسلام في وجه (إسرائيل).
وقد نجح الشعب الفلسطيني المقدام في الصمود والتصدي ومجابهة قوى الشر وارهاب الدولة وضرب مثلاً للعالم كله في الجهاد والنضال والاستعداد للتضحية والفداء.
ولكن هذه الوقفة البطولية الرائعة لا تمنعنا من تسجيل حجم الأضرار التي لحقت به وبقضيته وبسلطته الوطنية وبالسلام وبالعرب والمسلمين أجمعين نتيجة لزلزال نيويورك وواشنطن, ولكن هل يعني ذلك أن علينا أن نستسلم للواقع الأليم ونتواكل ونرفع الرايات البيضاء?
بالطبع لا, فالمطلوب من العرب الآن: القيادات والشعوب والأفراد أن يأخذوا العبرة والدروس من التجارب المريرة التي مرت بهم خلال هذا العام, وأن يعملوا على تحديد مواطن العلل والضعف ويبحثوا عن أوراق القوة التي يمكن أن يستخدموها للدفاع عن قضاياهم ووجودهم وسمعتهم وهي كثيرة.
أولها توحيد الكلمة والصف واستخدام العقل والحكمة, والكف عن تقديم الحجج والذرائع والخدمات المجانية للآخرين.. وللأعداء.
وهذا يعني أيضاً أن المنطقة مقبلة على (خضات جديدة) وربما زلازل أخرى, لا يجوز, ولا عذر لأي مسؤول عربي في أن يعمل من الآن على تحصين الموقف ورص الصفوف وتدارك ما يمكن تداركه من أخطار وخسائر وأضرار, فالقادم خطير والمخفي أعظم, وما يدبر للمنطقة أكبر من التصور.
وبعد هذا, وعلى رغم جسامة ما حدث, نسمع من يبرر ما جرى ويدعو للمزيد ويثير الفتن,والغرائز كأنه لم يكف أمتنا ما قاسته من طعنات ومؤامرات وخطايا وآلام وما دفعته من أثمان باهظة نتيجة لتصرفات طائشة وعمليات مدمرة ارتدت إلى صدورنا جميعاً.