على لائحة النكبات التي قد تواجه الولايات المتحدة الأميركية وتصدر رأس تلك اللائحة هجمات ارهابية على نيوريورك ثم تعرض مدينة فرانسيسكو إلى زلزال قوي وأخيراً إعصار قوي يضرب نيو أورليانز.
وقد كتب هوستن كرونيكل في شهر كانون الأول من عام 2001 (سيناريو إعصار نيو أورليانز) واضعاً كل الكوارث والنكبات التي قد يتعرض لها السكان وقد أتى وضعه مشابهاً إن لم يكن مطابقاً لما تعرض له سكان نيو أورليانز عقب اعصار كاترينا, لكن السؤال الذي يواجه السلطات الأميركية الآن هو لماذا لم تحضر مدينة نيو أورليانز أو أميركا لمواجهة مثل هذا الاعصار?
لقد تم طرح العديد من الاسئلة المحرجة والصعبة عقب هجمات الحادي عشر من أيلول وقد دفنت أو تبددت كل تلك الأسئلة تحت اسم الوحدة الوطنية لكن اليوم يجد الشعب الأميركي نفسه بأمس الحاجة إلى محاسبة المعنيين بالأمر, والسؤال الأول الذي يشغل ويؤرق بال كل مواطن أميركي هو لماذا تأخرت الاسعافات الأولية? ولماذا تأخر وصول المساعدات..?
لقد بدأ اعصار كاترينا بقوة وكان من الجلي والواضح أنه سوف يتسبب بأضرار وخسائر لا تعد ولا تحصى على طول الساحل, لكن رد الفعل السريع والمناسب والذي يتوقعه أي متابع خصوصاً من أعظم دولة بالعالم وأكثرها تقدماً لم يحصل على الاطلاق, فقد قتل آلاف المواطنين بينما كانت آلاف أخرى تحتضر ولم يكن السبب رفض هؤلاء إخلاء المدينة والتوجه إلى مناطق أخرى بل لأنهم كانوا إما فقراء لا يملكون المال الكافي للقيام بمثل هذه الخطوة أو مرضى بأمس الحاجة إلى من يمد لهم يد العون والمساعدة ولكن لم يكن هناك أي معونات أو مساعدات تستحق الذكر.
ويطرح المواطن الأميركي اسئلة عديدة تستحق التوقف عندها وتتعلق بطريقة تعامل الدولة والسلطات المحلية مع اعصار كاترينا المدمر وأكثر ما يؤرق هؤلاء هو التساؤل الحالي ألم يكن بإمكان السلطات المعنية تقديم المساعدة والعون من أجل انقاذ الفقراء والمرضى?
ألم يكن بمقدور أعظم وأقوى دولة في العالم مساعدة هؤلاء على مغادرة المدينة? وما سبب عجز السلطات على اتخاذ التدابير الوقائية الطارئة واللازمة وضعف التحضيرات التي طالت القوات العسكرية الأميركية والوحدات العسكرية التي كانت مواقعها قريبة من موقع الكارثة ولم تتلق أي أمر بالتحرك.
وأشارت إحدى الافتتاحيات في صحيفة صن هيرالد في الميسيسبي إلى أن المراسلين الصحفيين استمعوا إلى قصص مخيفة ومرعبة رواها لهم مجموعة من الناجين الذين لجؤوا إلى ملجأ إحدى المدارس حتى شاهدوا عبر طريق ايريش هيل جنود القوى الجوية يلعبون كرة السلة ويقومون ببعض التمارين الجمبازية عوضاً عن الاستعداد لمواجهة الاعصار أو اتخاذ التدابير اللازمة.
ربما تعتقد إدارة بوش وتؤمن بأن مسؤولية الحرس الوطني المحلي تنحصر فقط في عملية حفظ الأمن والسلام والتخفيف من حدة التوتر لا أكثر ولا أقل لكن الحقيقة هي أن العديد ممن يعملون تحت لواء الحرس الوطني بالإضافة إلى معداتهم وتجهيزاتهم يحاربون في العراق.
والواقع هو أن الحرس الوطني بأمس الحاجة لاسترداد معداته وتجهيزاته وآلياته من أجل تقديم يد العون والمساعدة للمواطنين ومن أجل القيام بمهماتهم الأمنية داخل وطنهم على أكمل وجه, هذا ما قاله أحد الضباط الأمنيين في ولاية لويزيانا للمراسلين الصحفيين منذ عدة أسابيع مضت.
والسؤال الثاني هو لماذا لم تتخذ الولايات المتحدة الأميركية أي تدابير وإجراءات وقائية أخرى..? خصوصاً وأن المهندسين العاملين في الفيلق العسكري أبدوا براعة ومقدرة كبيرة في القيام بأعمال السيطرة على الفيضانات والتعامل مع الحواجز والسدود وأرصفة الموانىء المحطمة في عام .2003
وتناولت الأوقات العصيبة التي عانى منها سكان نيو أورليانز إلى أن الحرب على العراق وما سببته من ضغوط بالإضافة إلى أمن البلاد وتخفيض الموازنات الفيدرالية كانت من العوامل التي أدت إلى كل هذا الاجهاد والتوتر الذي بدت آثاره واضحة.
وبعد أن استقال قائد الفيلق في عام 2002 بدأ بانتقاد اقتراح الإدارة الأميركية في تخفيض الميزانية المخصصة للفيلق بما فيها الأموال المخصصة للانفاق على عمليات السيطرة على الفيضانات.
أما السؤال الثالث فهو هل استطاعت إدارة بوش تدمير فعاليات الهيئة الإدارية لقسم الطوارىء الفيدرالي?
لقد عاملت الإدارة الأميركية -بكل الوسائل- الهيئة على أنها طفل غير مرغوب به ما سبب رحيلاً أو هجرة جماعية لمعظم الأساتذة ذوي الخبرة والمختصين في هذا المجال وقد عبر جيمس لي ويت -منذ حوالى عام مضى- الحائز على جائزة من كلا الحزبين عن قيادته للهيئة خلال فترة ولاية الرئيس بيل كلينتون في جلسة عقدها الكونغرس للتداول والتشاور عن مخاوفه الكبيرة من عجز الدولة عن اتخاذ التدابير الوقائية الطارئة واللازمة, وعجزها وعدم كفائتها في التعامل مع الكوارث الطبيعية ومعالجتها.
لكن وحتى الآن لا اعتقد أن قصة اعصار كاترينا المدمر هي قصة عجز وعدم كفاءة إذ إنني اعتقد من أن السبب الذي منع الجنود والقوات المسلحة من الاسراع والاندفاع إلى تقديم المساعدة هو أن السلطات لم تقم بفعل أو اتخاذ أي اجراء وقائي للحد من الكارثة تماماً.
كما لم تتخذ السلطات الأميركية أي إجراءات تذكر لايقاف عمليات النهب والسلب بعد سقوط بغداد وهكذا فقد كان نصيب عمليات السيطرة على الفيضانات هو الاهمال التام.
والتهاون الذي دعا السلطات الأميركية لإرسال قواتها دون تحصينهم أو تزويدهم بالاسلحة الكافية.
وهكذا فقد أصبح من الواضح أن الإدارة الأميركية غير مهتمة وغير جادة فيما يتعلق ببعض وظائف الدولة الأساسية فهم مثلاً على أتم الاستعداد لشن حرب على العراق إلا أنهم غير مستعدين على الاطلاق لتأمين الأمن وتحقيق الاستقرار وهم على استعداد للقتال إلا أنهم غير مستعدين لنجدة وإنقاذ من يطلب منهم المساعدة أو الانفاق على المشاريع والتدابير الوقائية.
ولقد كان من المضحك المبكي ذلك التصريح الرائع الذي أدلى به الرئيس بوش عندما قال بأنه لم يكن من المتوقع أبدا انهيار السدود وأرصفة الموانىء.
علماً بأن السلطات المعنية قد حذرت مراراً وتكراراً من امكانية تحطم تلك السدود وهكذا فإن أميركا اصبحت معروفة بقدرتها تماماً كما أصبح معروفاً بأن لأميركا حكومة لا تستطيع سوى تقديم الأعذار عوضاً عن القيام بمهامها الأساسية.