التي تنظمها بعض الوكالات الهادفة إلى كتم أي انتقاد يوجه ضد السياسة الإسرائىلية,ومن بين تلك الوكالات معهد (ميمري),الذي يصور العديد من الصحفيين العرب والمسلمين بصورة المتعصبين المعادين للغرب والسامية.
تأسس معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط (ميمري) في شهر شباط من عام ,1998برئاسة الكولونيل إيفان كارمون,العضو السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية,ومقره واشنطن,وهو عبارة عن مركز لترجمة مختلف إصدارات وسائل الإعلام بكافة أشكالها الصادرة بشكل أساسي باللغة العربية والإيرانية إلى اللغات الأوروبية,ويشير موقع المعهد الإلكتروني إلى أنه (يقيم جسراً يربط الغرب مع الشرق الأوسط,من خلال ترجمة ما تصدره وتبثه وسائل الإعلام بالعربي والعبري والفارسي,وإصدار تحليلات للتوجهات السياسية والإيديولوجية والفكرية والاجتماعية والثقافية والدينية للمنطقة).
وبالتالي يتركز هدفه في (تقديم عناصر معلوماتية حول الجدل الدائر في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالسياسة الأميركية,وهو معهد مستقل,غير منحاز,وغير ربحي,تتوزع مكاتبه في برلين ولندن والقدس,ويقوم بالترجمة إلى الإنكليزية والألمانية والإسبانية والفرنسية والعبرية والإيطالية والروسية والتركية),ويرسل هذا المعهد خدماته مجاناً وبشكل منتظم إلى وسائل الإعلام والمؤسسات والمسؤولين السياسيين الغربيين,ولا سيما أعضاء الكونغرس الأميركي.
بالإضافة إلى ذلك,يقوم تلفزيون ميمري مونينور بمراقبة الأقنية التلفزيونية الأساسية العربية والإيرانية,وينجز عمليات ترجمة وتوزيع مقتطفات قصيرة مما تبثه هذه التلفزيونات,مختارة بعناية فائقة,وتقدم مجاناً إلى المحطات الغربية.
وترتكز مجمل العملية في اختيار المعهد لنصوص ومشاهد لترجمتها بصفة تمثل الأكثرية بغية جعل القارىء الأجنبي الذي يكتفي بقراءة هذه الترجمات يسود لديه انطباع بأن الإعلام العربي تهيمن عليه مجموعة كتاب متعصبين معادين للغرب ولأميركا وللسامية,وقليل هم الصحفيون الذين تصفهم ميمري بأنهم (ليبراليون وتقدميون).
وقد وصف كتّاب عرب,وأوروبيون هذا المعهد في عدة مناسبات بأنه سلاح للدعاية في خدمة حكومة تل أبيب والليكود ومجموعة الضغط,ومنذ إنشائه,كان ثلاثة من أعضائه الستة ضباطاً سابقون في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية,وقد سجل عدة مواقف في عمليات مختلفة,ففي عام ,2001أطلق هذا المعهد حملة تنديد ضد كتب مدرسية فلسطينية بحجة أنها تؤجج النار ضد السامية,وفي عام 2004 نجح معهد ميمري في شن حملة ضد تلفزيون المنار -التابع لحزب الله- لإيقاف إرساله في فرنسا,الأمر الذي أثار موجة احتجاجات لدى منظمة مراسلين بلا حدود كما وساهم بشكل فعال في الحملة التي أفضت إلى إغلاق مركز الشيخ زايد في الإمارات العربية.
وبشكل أوسع,تكرس ميمري نفسها لخدمة الاستراتيجية الإسرائيلية عبر الإساءة للعلاقات العربية مع الغرب..وفي إحدى مقابلاته مع قناة الجزيرة,زعم الكولونيل كارمون أن ميمري تعمل ضمن أهدافها العلمية,أي ترجمة ما تبثه وتصدره أجهزة الإعلام العربية عن أحداث الشرق الأوسط إلى الغرب.
وإن سلمنا بهذا القول,فلا شك أن ثمة تحفظات:فإن كان النزاع العربي-الإسرائىلي يدور حول السيطرة على الأرض الفلسطينية,فهو بالتالي متلازم مع الصراع الرمزي الذي تخوضه الأطراف المتنازعة من أجل فرض تأثيرها على الرأي العام,ولا تخضع علاقات القوى إلى المنطق المحلي إلا جزئياً,ولذلك فإن الدعم الخارجي يعتبر ضرورياً,ولا سيما بالنسبة للجانب الإسرائيلي ونظراً لتراجع صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي,منذ حرب لبنان,واندلاع الانتفاضة الأولى (1987-1993),وفي محاولة لكسب جزء مما خسرته إسرائيل,بحثت ميمري في تشويه صورة العرب والمسلمين أمام نظر الغرب,وذلك عبر تصويرهم كحاقدين ومتعصبين.
ونظراً للتطور الذي أحرزته الأقنية الفضائية العربية,فقدت النظم العربية جزءاً من تحكمها بوسائل الإعلام,الأمر الذي دفع السلطات الإسرائىلية إلى تكريس اهتمامها مباشرة بوسائل الإعلام العربية ومضامينها,وهذا ما يفسر لنا بوضوح إنشاء ميمري بعد عام ونصف العام من إطلاق قناة الجزيرة,ويمتلك الكولونيل كارمون أرضية صلبة له في إسرائىل,ويستفيد من دعم كبير من الجانب الأميركي,وتأتيه مساعدات ضخمة,ومنها مساعدات مؤسسة ليند آند هاري برادلي,كبرى مؤسسات اليمين الأميركي.
وقد استخدم معهد ميمري بعض الليبراليين العرب,من خلال إدراج تصنيف غريب دعته (الصحفي العربي والليبرالي أو التقدمي) وللانتماء إلى هذا التصنيف,يتعين على الصحفي العربي التنديد بكافة أشكال المقاومة المسلحة في العالم العربي,ولا سيما في العراق وفلسطين,التنديد بحماس وحزب الله,وانتقاد ياسر عرفات,الدفاع عن الواقعية,أي قبول علاقات القوى,وبالتالي الهيمنة الغربية,إبداء التحيز للمشاريع الأميركية في الشرق الأوسط,حض العرب على التخلي عن (عقلية المؤامرة).
والمرشح لهذه الخطوة يتعين عليه أىضاً إبداء عداء كامل للقومية والإسلام السياسي -حتى امتهان الثقافة العربية- وعليه أن يستهدف في انتقاده قبل كل شيء رجال الدين,والإطراء على الحريات الفردية,دون الحض على الحريات السياسية,وعلى السيادة الوطنية,وعند التطرق للإصلاحات السياسية فإن الصحفي العربي التقدمي أو الليبرالي) سيستهدف قبل كل شيء الأنظمة الجمهورية,ولا سيما سورية ومصر,بينما لا تثار مسألة الإصلاحات السياسية في بعض الأنظمة الملكية العربية,نظراً لأن العديد من الصحفيين العرب المخططين لدى ميمري يعملون في مؤسسات تمولها بعض هذه الأنظمة العربية.
بالإضافة إلى ذلك,لا تتمتع أعمال المعهد بجودتها,وحتى في نزاهتها,وهي موضع هجوم بسبب ذلك,ومثال على ذلك,قام المعهد بعيد انفجارات لندن في السابع من تموز المنصرم,بترجمة مقتطفات من برنامج (أكثر من رأي) الذي تبثه قناة الجزيرة,شارك في هذا البرنامج هاني السباعي,وهو إسلامي يعيش في بريطانيا,وفي وصفه لضحايا تفجيرات لندن قال:(لا يوجد أي مصطلح في الاجتهاد الإسلامي يشير إلى (المدنيين),والدكتور كرمي (ضيف آخر) معنا,وهو خبير بالاجتهاد الإسلامي,هناك فئة (المجاهدين) و(غير المجاهدين),والإسلام ضد قتل الأبرياء,وفي نظر الإسلام,لا يمكن قتل النفس البريئة).
وجاءت ترجمة ميمري على النحو التالي: (لا يوجد مصطلح (مدني) في القانون الديني الإسلامي,والدكتور كرمي معنا,وأنا هنا,وأعرف القانون الديني,لا يوجد مصطلح (مدني) بالمعنى الغربي الحديث لهذه الكلمة,والناس تنتمي أو لا تنتمي إلى (دار الحرب),وهذه الكلمة أضيفت,ولم يستخدمها الضيف,وسنقف عند هذه الكلمة المثيرة للجدل,إذ وفي حمى الحرب التي تخوضها بريطانيا ضد الإرهاب,تحرض هذه الكلمة على فكرة أنه وفي (دار الحرب) الكل مباح,وقد حذفت ميمري من ترجمتها إدانة السباعي لقتل الأبرياء.
البروفيسور حليم بركات من جامعة جورج تاون,دفع ثمن هذا المنهج,لأن ميمري قامت بترجمة مقال نشره في صحيفة الحياة تحت عنوان (هذا الوحش الذي خلقته الصهيونية-التدمير الذاتي) ووضعت عليه توقيعها تحت عنوان مثير للحقد والكراهية (اليهود فقدوا إنسانيتهم),وعلق بركات قائلاً:(هذا ما لم أقله وفي كل مرة أكتب -صهيونية- تبدلها ميمري بكلمة (يهودية) إنها تريد أن تعطي انطباعاً بأنني لست بصدد انتقاد السياسة الإسرائىلية,وإن ما أقوله هو المعاداة للسامية,وإثر ذلك تلقى البروفيسور رسائل تهديد,ويقول:(البعض يدعي أنه لا يحق لي التدريس في الجامعة -وهو أستاذ فيها منذ ثلاثين عاماً- ولا يحق لي أن أكون أستاذاً,ويتعين علي مغادرة الولايات المتحدة),في حزيران الماضي,شنت ميمري حملة شعواء ضد زيارة الشيخ القرضاوي,وطلب عمدة لندن السيد كين ليفينغستون,وبغية التحقق من الأمر دراسة لكل ما يتعلق بالقرضاوي,وبناء على هذه الدراسة علق بأن هذه الهجمة تندرج في (إطار موجة الخوف من الإسلام,وتهدف إلى إعاقة قيام أي حوار بين الإسلام المتقدم والغرب) والدراسة المطلوبة شملت /140/ كتاباً من كتب القرضاوي,والنتيجة كانت تدعو للصدمة,لأن جميع الأكاذيب الملفقة عن القرضاوي هي من عمل معهد يدعى ميمري ويدعي أنه معهد أبحاث موضوعية),وخلص السيد ليفينغستون إلى القول:(لقد اكتشفنا أن هذا المعهد يديره ضابط قديم في الاستخبارات الإسرائيلية الموساد,ويشوه بشكل منهجي الوقائع,وليس فقط ما قاله الشيخ القرضاوي,وإنما ما يقوله الآخرون من العلماء المسلمين,وفي أغلب الأحيان,يكون التحريف كاملاً,ولهذا فإنني أنشر هذا الملف).
وتستمد ميمري فعاليتها من خلال التنسيق الدقيق لنشاطاتها مع الكتاب الذين يخوضون حملة التشويه والتضليل للواقع,وتعتبر قائمة الصحفيين الذين امتدحوا أساساً في نظام توزيع المكافآت أو العقوبات,وهكذا فالصحفيون العرب الليبراليون أو التقدميون يدعون إلى الولايات المتحدة,وإلى مراكز بحث صديقة,ويسهلون لهم الحصول على سمة الدخول وكذلك الدخول إلى وسائل الإعلام والسلطات الأميركية,أما فيما يتعلق بالعقوبات ضد أولئك الذين تصفهم ميمري (الواعظين للكره) فإنه يخشى أن تزيد وطأة العقوبات عليهم,منذ أن أشاد الصحفي الشهير في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان بخبرة ميمري ومطالبته وزارة الخارجية الأميركية بنشر تقرير فصلي يتضمن نشر أسماء أول عشرة واعظين للكره,والذين وجدوا حجة للإرهاب وسوغوه).
وأياً كان تفكير توماس فريدمان,فإنه من الواضح أن أعضاء الاستخبارات الإسرائيلية السابقين والحاليين هم أفضل مهندسين لكراهية العرب والمسلمين.