ولم تقتنع مع نيتشه بأننا ننتقم من الحياة بمواجهتها بمشهد خارق من حياة ( أخرى) وأفضل.. انما اقتنعت بأننا.. كبشر ننتقم من الحياة.. حين نعمد الى تعريفها.. فكان أن اقتصرت تحيتها على الحزن .. فقط .. مرحباً ايها الحزن.. لا بد ان هذا ما يردده رواد ((مقهى الحزن والبكاء)) الذي افتتح مؤخراً في شرق الصين ويبدو ان شعار هذا المقهى هو ما قاله يوماً باشلار( اصفى حب ذلك الذي خسرناه)... ايضا ً ما قاله سولي برودوم ( آه ايتها الذكرى, الروح تمتنع خائفة عن حملك)..
ومعظم الرواد لهذا المقهى حالهم هو حال فونتنيل الذي قال له احدهم وهو يضع يده على قلبه:( ان ما تملكون هنا لدماغ ايضاً يا عزيزي)
مقابل ستة دولارات يمكن للمنكوبين بقصة حب.. بإعصار نهاية ما .. ان يرتادوا هذا المقهى لمدة ساعة واحدة فقط..حيث تتوفر الاجواء المناسبة لاصحاب العلاقات العاطفية المنتهية لتفريغ شحناتهم بالحزن والبكاء.. وذلك عن طريق تقديم افضل المشروبات لزبائنه المكتئبين والراغبين بالبكاء ايضا يوفر هذا المقهى الحزين ..المناديل. .كما يقدم اليهم البصل والفلفل الاحمر لمساعدة الراغبين في ذرف الدموع والطريف.. او المخيف -برأيي الشخصي-ان هذا المقهى حقق نجاحاً كبيراً... ويجتذب اعداداً كبيرة من الاشخاص المكتئبين والحزينين يومياً..
وهكذا الحزن يحصد مجده. كالخلد حفر ويحفر حتى يفاجئونا بأنه نفذ الى السطح.. سطح حقل حرثناه.. لا لنزرع الحزن.. لكننا نفاجأ بأننا حصدناه رغماً عنه. وتباغتنا لحظات تتكفل بإعادة قناعاتنا الى نصابها بشأن مفهوم الفرح وحلم السعادة .. ونتحول الى ساحة سائبة للاوهام ..و تندلع اسئلة وجودية على طريقة الشعراء.
( قبة زرقاء .. اشجار اوراق .. وثلج.. ساقية تجري. . الى اين انا ذاهب..)
هكذا وصف شارل بلينيه حالة السؤال الوجودي الذي يحرضه الحزن بلمسة اصبع منه..
لدي قناعتي الشخصية بأن الحزن هو المخاض الأزلي لأية سعادة محتملة او فرح منشود او حتى صيغة للتفاهم مع هذه الحياة ومراوغة القدر .. واتقان لعبة ( الغميضة) مع من حولنا . . وكما ذكر احدهم :
((أعذب نعيم هو ذاك الذي نتوقعه))..