فقد تنوعت في هذه الامسية مفردات التعبير, وتلاقت في وحدة نسيجية شكلت رؤى الحلم الرومانسي الذي يدمج الكلمة الشعرية بالايقاعات الموسيقية.
ومن هذا المنطلق نجد بعض الروابط الخفية والعلنية التي تجمع اسامة وقصي وهيثم في اطار تجمع ثلاثي سبق واقام اكثر من امسية ادبية وموسيقية مشتركة.
القصص التي قدمها اسامة تتجه من المباشرة والخطابية الى بعض الاتجاهات الرمزية والدلالية في خطوات التعبير عن المعاناة اليومية.
وفي قصصه القصيرة يستخدم تقنية التكثيف الدلالي ويعكس نزعته الدائمة في الجمع ما بين الرؤية الواقعية والمخيلة الفنية, مركزاً على معطيات الواقع بشكل خاص بما فيه من مفارقات وتناقضات وعناصر مزيفة على كافة الاصعدة التربوية والاجتماعية والثقافية, لذا فهو يحاول الامساك , دون جدوى بمشهد افتقده في الواقع, وعاد يبحث عنه. كأنه يطمع لتجسيد اهتزاز الصورة واسقاط الاقنعة ولو بطريقة ايحائية يستعين فيها بالكثير من الرموز والانفعالات الساخطة. وهو كثيراً ما يستخدم في مساحاته التعبيرات الساخرة, بل ويحول العلاقات بين العناصر والاشكال الى ما يشبه الحالة الخيالية لكثرة ما يرتفع فيها مستوى المبالغة التعبيرية الساخرة التي تتصدى لأزمنة القلق والعذاب الانساني .فالدلالات القصصية الساخرة تعزف على اوتار الخراب الروحي والنفسي, وتكشف النقاب بالتالي عن هوية بشرية مفقودة في لحظات انتقال الانسان من وجع الى وجع : يقول في قصته ( الاسم) رغماً عنه بدأ اسم المؤلف المطبوع في أعلى غلاف الكتاب بالانزلاق التدريجي.. الى ان يقول: وما لبث ان سقط في الهاوية لتسحقه اقدام تسير في جميع الاتجاهات بسرعة محمومة, بعد سنوات طويلة, اصبح الكتاب تحفة ادبية خالدة مجهولة المؤلف.
وجاء في قصته(دولة مفخخة): انفجرت دولة مفخخة اثناء توقفها في احد شوارع العالم الرئيسية, فأصيبت الدول المجاورة باصابات متفاوتة, وتناثرت الاشلاء,على مساحة العالم ملطخة البحار والغابات والجبال. وشيئاً فشيئاً تزايد عدد الدول المفجرة,فتحولت الكرة الارضية الى صورة مصغرة عن الجحيم, اذا كانت الاشلاء تتطاير الى الفضاء الخارجي ملطخة بعض كواكب المجموعة الشمسية .. وما زالت التفجيرات مستمرة,على الرغم من خضوع جميع الدول .. للتفتيش الدقيق ..
في السياق ذاته يعزف قصي ميهوب على اوتار المعاناة من خلال قصائد المجاهرة بجسد المرأة, حيث يعمد في كل مرة الى اثارة الحضور.. فهو يلعب بالالوان البراقة في متابعة فصول تصويره ا لشعري:
ذهبت الى مضارب بني جهل
وجبت القبائل كلها
واخترت ما اخترت
اصيلة كانت
فضلت صحبتها الى
ملهى الرقص الادبي..
يطل قصي ميهوب في كل مرة على الجمهور باحثاً عن اجوبة حرة لتساؤلات مستمرة تبرر مواقفه وصوره وتمرده على المألوف الاجتماعي.فهو في مجمل امسياته يريد ان يوصل لنا رسالة مفادها الاخلاقي انه لابأس بالاعتماد على عنصر المفاجأة والمغامرة التي تشد الاعصاب, دون توقف,في خطوات الانتقال من صورة غزلية الى اخرى, والوصول الى نهاية ايقاع ايحاءات احلامه ورغباته, انطلاقاً من اشياء رمزية,بالأخص عندما يصبح التعبير الجسدي المظهري عنصراً اساسياً في لعبة الارتجال, وجزءاً اساسياً في ايحاءات الدلالة التعبيرية التي تبنى عليها الاحلام والرغبات والنزوات :
نحرت لنهدها قربان شعري
وقربان القصائد مستجاب
فضاجعت الجحيم بكل حب
ونيران المحبة لا تعاب
ويقول في موقع آخر:
ركبت صدى الرحيل الى ديار
يقال: بركنها الشعراء تابو
تجمهرت النهود امام ثغري
ظننت لفصلتي.. اكتمل النصاب
ثمة روابط متينة بين الكلمة والنغمة استعادتها هذه الامسية في منهج اختباراتها وتطلعاتها الثقافية والفنية, حيث تداخلت هنا تداعيات متنوعة على صعيد تشكيل الصورة القصصية والشعرية والموسيقية.
فالايقاعات الموسيقية التي قدمها د. هيثم الحويج حققت حضوراً متميزاً, حين استعادت بعض المقطوعات العالمية ( بالاخص الاسبانية) وعبرت في آن عن الالهام الذي يمنحه تأمل التراث الشرقي والعربي تحديداً. فالانفتاح الثقافي بين موسيقا الشرق وموسيقا الغرب, يبدو في يوميات هيثم كهاجس حيوي يثير الحنين والاعجاب, حيث تلامس رشاقة حركة اصابعه اوتار الالة الكهربائية, فتبدو الايقاعات في حركاتها التصاعدية والتنازلية, الهادرة والصاخبة والساكنة, اشبه بصفحات من نوتات موسيقية ملونة باحلام مترسخة في الذاكرة الشرقية والعربية, الزاخرة بالحكايات الرومانسية والنصوص المشوقة التي تغري بايقاعاتها التبادلية والانعكاسية والانسيابية, رغبات الاحساس بالهوية الثقافية المؤطرة بين هاجسي القديم والحديث .