|
العاصي يكاد يختنق..لا حياة سمكية بين بحيرتي قطينة ومحردة بيئة بفضل الدورة الهيدرولوجية وساد الاعتقاد خلال هذا القرن بأن الموارد المائية هي موارد طبيعية غير محدودة وغير قابلة للاستنزاف ويمكن استخدامها دون ضوابط تشريعية أو علمية وبالتالي احتلت المياه دوراً ثانوياً في حسابات عمليات التنمية, بهذه المقدمة استهل د.حسين جنيدي محاضرته التي ألقاها في ندوة نظم إدارة البيئة التي عقدت مؤخراً في حمص. وتطرق د.جنيدي إلى المشكلات البيئية الكبيرة التي تعاني منها حمص وخاصة في مجال مياه الشرب فرغم التطور الذي شهده تنفيذ شبكات الصرف الصحي نجد أنها تصب في النهاية بالقرب من التجمعات السكانية وإلى أقرب وادٍ أو نهر أو في العراء مخلفة وراءها تلوثاً بيولوجياً وصناعياً كبيرين. وأضاف: لقد بينت الدراسات السابقة أن مياه الكثير من الآبار المستخدمة للشرب في الأحياء الشعبية وبعض القرى ملوثة جرثومياً بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه السطحية والجوفية. ولحق بنهر العاصي تلوث خطير من جراء صرف المياه الصناعية الملوثة ومياه الصرف الصحي غير المعالجة, ما أدى إلى انعدام الحياة السمكية في الجزء الممتد بين بحيرة قطينة وبحيرة سد محردة. وعن واقع تلوث المصادر المائية في محافظة حمص قال:يدخل نهر العاصي الأراضي السورية في منطقة العميري ومياهه نظيفة تشوبها بعض العوالق الغضارية لكنها شفافة وغنية بالأوكسجين المنحل ويوجد العديد من الكائنات الحية العليا وكذلك الأسماك. بعدئذ يقف نهر العاصي أمام أحد أقدم السدود الصناعية في العالم -سد بحيرة قطينة- حيث تتلقى مياهه نصيباً كبيراً من التلوث الصناعي خاصة, ومن التلوث الناجم عن حرث المناطق التي تراجعت عنها المياه وما يرافق ذلك من تخريب للبيئة الطبيعية للكائنات الصغيرة في قاع البحيرة.وفي فصل الهطولات المطرية تجرف المياه التربة وكل بقايا النشاط البشري إضافة إلى الأسمدة والمبيدات ما يؤثر على شفافية المياه ويمنع أشعة الشمس من اختراق الماء مؤثراً بذلك على النظام البيولوجي لها وهنا توجد بعض الأشنيات والطحالب والأعشاب المائية وكميات كبيرة من فصيلة اللافقاريات (الصدف, السرطانات..). وأضاف: بعد خروجه من البحيرة يمر العاصي بمنطقة الميماس غرب حمص حيث يرفد بعدد من الوديان السيلية بالإضافة إلى الصرف الصحي الناتج عن التجمعات السكانية والنشاطات الزراعية.المياه هنا ملوثة بشكل كبير ويظهر تعفن واضح في المجرى المائي والأوكسجين معدوم أو قليل جداً وتبقي الكائنات الحية المجهرية الدقيقة على قيد الحياة وبكميات كبيرة بينما تنعدم الأشنيات والأعشاب النباتية. وتابع يقول: لدى دخول العاصي مدينة حماة يتلقى كميات كبيرة من الصرف الصحي غير المعالج إطلاقاً والصرف الصناعي وإن التراكيز العالية للمركبات الفوسفاتية والنترات إضافة إلى كميات العوالق والغنى الغذائي تساهم في القضاء على معالم الحياة في أجزاء كبيرة من النهر متحولة إلى مستنقعات.وهذا ما يظهر جلياً في منطقة جسر الشغور خصوصاً عندما تحجز المياه في موسم معالجات الشوندر السكري والمترافق بطبيعة الحال مع أشهر التحاريق.يتابع النهر مسيره محملاً بالصرف الصحي للمدينة ولمعمل السكر, تتحسن مواصفات النهر خلال مسيرته نحو الشمال ويظهر ذلك قبل اختلاط مياهه بمياه عين الزرقاء قبل دركوش, وبعد اختلاطه بها تصبح المياه متعة للعين وحين يصب في البحر الأبيض المتوسط بعد مروره بلواء اسكندرون فإن مواصفات المياه لا تقل كثيراً عن تلك التي دخل بها الأراضي السورية. بالإضافة إلى التلوث الذي لحق بمجرى العاصي وببحيرة قطينة فإن ثمة تلوثاً حقيقاً قد اعترى المياه الجوفية وأصبح الاعتماد عليها بكثرة سبباً إضافياً لتلوثها. ووقف الدكتور جنيدي عند الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تلوث المياه الجوفية وقال: إنها تقع قرب المصانع ومحطات الوقود بسبب التسربات وغياب الإجراءات الوقائية والحماية المطلوبة, والحفر العشوائي في المناطق الملوثة إضافة إلى الاستجرار الجائر والهدر الكبير من خطوط الشبكة العامة, وتلوث مياه العاصي التي تعتبر أحد المصادر الأهم في دعم المياه الجوفية. وكذلك التلوث الهائل الذي حصل في بحيرة قطينة لأنها بحد ذاتها تعتبر منظومة متقدمة لدعم المياه الجوفية في المنطقة ككل, وسقاية الغمر وما ينتج عنها من سلبيات نتيجة الملوثات والأملاح المنحلة في مياه السقي, والسقاية بمياه الصرف الصحي غير المعالج, الاستخدام غير المدروس للمبيدات والأسمدة ومنشطات النمو ومضادات الأعشاب, المنصرفات الصناعية التي تغيب عنها الحلول البيئية الجادة, الاصطياف في حرم المصادر المائية وما يترافق معه من سلوكيات سلبية. بعدئذ طرح الدكتور حسين جندي مشروع الخطوات التنفيذية لمكافحة تلوث المصادر المائية في محافظة حمص. منوهاً إلى ضرورة الاسراع بإجراءات اسعافية وفي مقدمتها وضع التشريعات البيئية موضع التنفيذ, وإلزام المعامل بإقامة محطات معالجة محلية وتعزيل مجرى نهر العاصي ومسيلاته ووديانه للحيلولة دون تشكل مناطق ميتة في سريره لما لذلك من تأثير سلبي على نوعية المياه وعلى عملية التنقية الذاتية للمجرى المائي. ونظراً للخطر الكبير على الصحة العامة وعلى البيئة جراء سقاية الخضروات بمياه الصرف الصحي والصناعي فمن الضروري منع استخدام هذه المياه للسقاية باعتبارها غير معالجة إطلاقاً ثم لابد من الحفاظ على الجريان الطبيعي للنهر ومنع حفر الآبار في المناطق الملوثة وتشجيع التوعية الشعبية من خلال المدارس والمنظمات الشعبية وإقامة المعارض البيئية, ودعم كافة المشاريع الهادفة إلى وضع الحلول العلمية الناجمة لمعالجة التلوث الناجم عن الصرف الصحي والصناعي في الحوض ككل عن طريق إقامة محطات معالجة في كافة المناطق. ونظراً للخطورة المتمثلة في مياه الصرف الناتجة عن المشافي فلابد من العمل على تعقيم هذه المنصرفات قبل طرحها في الشبكة العامة. ويشير المحاضر أخيراً إلى ضرورة الإسراع بوضع جداول زمنية حقيقية للتدخل البيئي وتطبيق مبدأ (الملوث suzani@scs-net.org ">يدفع). suzani@scs-net.org
|