كنا نظن ونعتقد أن تلك الحرب الشرسة قد نزعت واسقطت الاقنعة عن وجوه الكثيرين ممن كنا نظن حتى ما قبيل اشتعال شرارة الحرب أنهم أقرب بتصرفاتهم وسلوكهم ووجدانهم واخلاقهم وطهارتهم الى الملائكة منهم الى البشر.
لكن يبدو أن الامر لم ينته بعد، حتى بعد أن سقطت تلك الاقنعة، لأنه على ما يبدو لا تزال هناك أقنعة خلف تلك الاقنعة، اقنعة جديدة أشد بشاعة وقتامة من تلك الوجوه التي كشفها السقوط الاول للدفعة الاولى من تلك الاقنعة التي ما تزال تتساقط مع كل هزة جديدة تضرب الوطن ويختبر السوريون فيها صبرهم وايمانهم وتلاحمهم ووحدتهم وضميرهم الحي الذي يرفض الاستجابة لكل جرعات التخدير والتسميم والموت التي يحاولون اعطاءه اياها عند كل خبوة او كبوة.
بعد اكثر من خمس سنوات هي عمر الوجع والجرح النازف الذي لايزال يتدفق بغزارة مفرطة، يصر البعض من أبناء هذا الوطن -رغم تساقط الاقنعة عن الاقنعة-على المتاجرة بدمائه بشتى الطرق والوسائل واستغلال كافة الظروف والاوقات لطعنه والامعان في جرحه أكثرفأكثر.
لكن ورغم كل ذلك الحزن والاحباط الذي يفرض حضوره علينا بسبب تلك المشاهدات المتكررة يومياً، إلا أننا سنبقى نؤمن بطهارة وقداسة أبناء هذا الوطن، وأن كل ما نسمعه ونشاهده ليس في نهاية الامر إلا كابوساً مفزعاً ومرعباً سرعان ما سوف نصحو منه، لنكتشف ان كل اولئك الذين نزعتهم الحرب من حضن الوطن كانوا يرتدون أقنعة بشعة فوق وجوههم الطيبة والرحيمة والجميلة أيضاً.