وأساليب الإعجاز الجمالي,وماهو الجديد الذي جعله الذروة, وبالوقت نفسه تبحث عن هنات هنا وهناك, عن نقاط ضعف تؤثر في صورته الكلية,وهنا أود أن أقول :إن من يظن أنه قد وصل الذروة إبداعاً فما يقوم به شعراً,رواية,رسماً,كتابة..في أ ي لون من الألوان إن من يدعي ذلك عليه أن يعلن بالوقت نفسه أنه قد تكلس وتحجر وتصنم عند شكل من الأشكال وأن مخيلته الإبداعية أصبحت يباساً,وأن جناحيه قد ذابا وكأنهما صنعا من شمع فطار تحت شمس متقدة...
من هنا يأتي النقد بناءً ثانياً للنص وموجهاً للقادم,وبمقدار ما يجدد المبدع في أدواته ويطور في أساليبه يتعب الناقد ويشده إليه ويجعله في حالة بحث دؤوب عن أدوات جديدة,فما من ناقد طور من أدواته إلا بمقدار ما كان يقرأ ويتابع من نصوص أتت بالجديد,وتأتي قدرة الناقد على أن يكون مبدعاً ثانياً للنص من خلال قدرته على موازاة النص المنقود وكشف آفاق جديدة تضيء بنيته وتركيبه.
ضرورة النقد..
لست بصدد التنظير في هذا المجال, فقد كفانا ذلك كبار نقاد العصر الحديث,ولكن بودي أن أقف عند ما كتبه الناقد والأديب الراحل ميخائيل نعيمة وقدمه في مؤتمر أدباء العروبة الذي انعقد في بلودان عام 1956م ونشر البحث في مجلة الطالب العربي تحت عنوان :الأديب والناقد,وفيه يقول:لوشئت أن أحدد النقد بكلمات ثلاث لقلت:إنه عمل الحياة الدائم فعمل الناقد هو النقد,وهو مدين به إلى عمل الكاتب,فلولا الكاتب لما كان الناقد,ولا يصح العكس, وذلك هو الفارق الأول والأهم ما بين الاثنين.
وإذا كان نعيمة يتحدث عن الناقد والأديب,فإنما نحن الآن نتحدث عن الناقد والمبدع أي مبدع في الأدب في الفن في أي لون من ألوان الحياة..وسؤالنا المحدد:لماذا لم نعد نقبل النقد..?
الناقد الحقيقي..
بالعودة إلى نعيمة الذي يدعي أن مستوى النقد يرتفع ويهبط بارتفاع مستوى النتاج الأدبي وهبوطه,فالأدباء الكبار يمهدون للنقاد الكبار..ولا أقول العكس ..ولو أن كل من في الأرض نقدة حاولوا أن يجعلوا من شويعر شاعراً,ومن كويتب كاتباً..لباؤوا بالفشل من غيرشك ...وحيثما كثرت القمم الشامخة قلت الدهشة للتلال , وحيثما كانت الأنهار الكبيرة قلت قيمة السواقي,أما حيث لا قمم شامخة ولا أنهار كبيرة فالكثبان والسواقي تبدو كما لو كانت إبداع آيات الله في خلقه والمثل العالي يقول:(من قلة الرجال سموا الديك أبو..)...
وما ينطبق على الأدب ينطبق على الفنون الأخرى,فكل (الكوارع العارية) وعمليات الشد والاغراء لن تجعل من مطربة أو ممثلة فاشلة مبدعة قد تنجح ليوم أو أسابيع ولكن ..وكذلك الأمر بالنسبة لمن يطرشون القماش الأبيض بالألوان وتعلق اللوحة من الجهات الأربع..
على الشاكلة..
يشكو المبدعون اليوم من أن النقد انطباعي غائم لا عمق فيه بل لاشكل ولون له ,وهذا صحيح ولكن لماذا لا يسألون :ما السبب?ألا يأتي الجواب سريعاً إنه نقدطحلبي نما وازدهر على نبات طحلبي,كلاهما موسمي زائف زائل..فالناقد يركب جملاً وأساليب نمطية صالحة للفن التشكيلي والشعر والرواية والدراما..ليس بحاجة إلا حذف الأسم وتبديل الزمان والمكان مكان النشر..وبالوقت نفسه لا يرضى مبدعونا بالنقد الجاد الرصين لأن الكثيرين منهم يظن نفسه وقد أتى بما لم يأته الأوائل,ولا يريد من الناقد إلا أن يكون مصفقاً له ومن هنا نرى أن الظاهرة تزداد مع المبدعات,فكل شاعرة أو روائية,أو ممثلة أو...لديها فريق(المداحين) الذين يوزعون شهاداتهم حيث تقبل وتنشر على كل حال هي أزمة ابداع وأزمة نقد,فالمبدع الحقيقي إن لم يغب فهو شبه غائب والصف الأخر مستعجل يريد شهراً سريعاً وبريقاً أسرع ولذلك يأتي كما فقاعات (البوشار) ما يكاد يبدو حتى يفقد لونه وطعمه..والعالم الذي طور نقده وأدوات نقده ووقف حيث يجب في مراجعة لما أنجز هذا العالم استطاع أن يحقق أهدافه وغاياته...وعلى العموم في هذه الأراء ما هو جدير بالاهتمام والمتابعة وهي نابعة من مبدعين حقيقيين يسألون : أين هم النقاد الحقيقيون..? فهل نقرأ رداً من نقادٍ لديهم ما يقولونه..?