تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ماذا عن الرواية البولونية.. ؟

ثقافة
الخميس 2-1-2014
ترجمة: مها محفوض محمد

تتماهى الرواية البولونية في أحضان جارتيها الروسية من جهة والألمانية من جهة أخرى على غرار مسيرة البلاد التاريخية وتقلباتها الاجتماعية وتأثيراتها الثقافية ومبادلاتها التجارية, ويكاد هذا التماهي يشكل الحكم على الصعد المختلفة سياسية وجغرافية وصولاً الى التراث.

ومن أبرز الإسهامات في تلك النواحي ارتهان المؤثرات بالمتغيرات الإيديولوجية التي شهدتها بولونيا منذ ولادتها ليتناول الأدب البولوني خاصة في روايته المعاصرة تلك المتغيرات في أيام الملكية والجمهورية وفي ظل احتلال نابليون للبلاد وفي زمن الشيوعية.‏

وقد ترك اقتسام بولونيا عام 1772بين كل من بروسيا والنمسا وروسيا ثم بين السويد وفرنسا بصمات عميقة في الثقافة والأدب البولوني كما دخلت اشتقاقات ومفردات من اللغات المجاورة إلى اللغة المحكية والمقروءة المكتوبة.‏

فها هو الأديب البولوني المعاصر مارك كراجيفيسكي يكشف في فريسكته الروائية المؤلفة من خمسة أجزاء «حصن بريسلو» الوجه الآخر لتلك التأثيرات وما حملته لبلاده من مستجدات لا تزال حية إلى اليوم حيث اللغة الألمانية وثقافتها حاضرة أكثر من جاراتها على الساحة الأدبية البولونية فمدينة بريسلو بطلة تلك الخماسية تحمل اسمين «بريسلو» وكانت بروسيا الواقعة في وسط أوروبا وتطل على نهر أودير وتلقب بالألمانية روكلو وتشتهر بصناعاتها الكيميائية والمعدنية وتشير الأحداث الجارية في بريسلو إلى تقسيم تلك البقاع بين روسيا والنمسا ثانيةً عام 1792 كما ظلت ألمانيا تطمح في السيطرة على بولونيا حتى احتلتها خلال الحرب العالمية الأولى وهي المرحلة التي تتحدث عنها أجزاء الرواية الأولى لتعود إليها مع مجيء هتلر إلى الحكم.‏

تواكب «حصن بريسلو» التقلبات التي عرفتها بولونيا من خلال ما جرى في أشهر مدنها قبل أن يطرد أهلها السكان الألمان الذين تعاقبوا على احتلالها والإقامة فيها حيث عرفت مدينة سيليسيا فيها أكثر المعارك شراسة عام 1945 حين انسحبت قوات هتلر إلى داخلها هاربةً من نيران المدافع السوفييتية التي قاد معاركها المارشال إيفان كونييف الذي حرر براغ في العالم المذكور وبقي قائد حلف وارسو فيما بعد حتى العام 1960 ثم تشتعل الحرب على الجبهة الشرقية من بولونيا كما تتحدث الرواية وتسمع اصوات الكاتيوشا التي تحمل النصر للبولونيين.‏

وخلال تلك المعارك تجري تحقيقات داخل المباني المهدمة للمدينة ووسط الجثث المتناثرة وضابط التحقيق يدعى موخ وهو محقق سابق في الشرطة الجنائية للرايخ ويميز كراجيفسكي بين الرايخ الأول (الامبراطورية) والثاني أيام بسمارك والثالث أيام هتلر وهدف هذا الضابط المحقق هو معرفة من قتل امرأة من المجتمع الراقي في بريسكو وينطلق المحقق ليطارد ليس المجرم فقط إنما ما فعله المحتل النازي في تاريخ المدينة الساحرة الجمال وطبيعتها الخلابة وسكانها الذين صمدوا خلال الحرب العالمية الثانية كما فعلوا خلال الحرب العالمية الأولى.‏

ويسلط كراجيفسكي الأضواء في هذه الخماسية على أكثر المراحل اضطراباً في تاريخ بولونيا خاصةً وأوروبا بشكل عام ليجد القارئ أن بطل «حصار بريسكو» ليس المحقق موخ ولا الحسناء المقتولة إنما هو تاريخ بولونيا الصاخب بالمتغيرات والأحداث الدامية.‏

كما تعتبر لغة الرواية أهم من الحبكة لما تحتويه من اقتباس واشتقاقات تعيد الى الأذهان التواصل بين آداب المنطقة أيام الحرب والسلم معاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية