وندد المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بإرسال روسيا قواتها إلى شبه جزيرة القرم كردة فعل على تآمر الميليشيات الفاشية بتدخلها بالنظام الأوكراني الهادف إلى تثبيت نظام معادٍ لروسيا.
يبدو أن حكومة أوباما عازمة على تصعيد الصراع مع موسكو ، فهي تشدد على عزل أوكرانيا اقتصادياً عن روسيا، وتطلب انسحاب جميع القوات الروسية من شبه جزيرة القرم، كما تقضي بقبول تلك الأخيرة بتثبيت نظام دمية في كييف. فخلال مؤتمر صحفي عقد في كييف مؤخراً أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الولايات المتحدة تسعى لعزل روسيا سياسياً ديبلوماسياً واقتصادياً، وتضمنت تصريحاته تهديدات عدائية أدلى بها ساسة أمريكيون رفيعو المستوى، حيث انتقد السيناتور جون ماكين روسيا انتقاداً لاذعاً وأبدى أسفه لعدم تدخل أمريكا طيلة فترة حرب عام 2008 بين روسيا وجورجيا، واتهم بوتين بمشاركته «الكيل بمعيارين» وطالب التحرك بسرعة لانضمام مولدافيا وجورجيا إلى حلف الناتو إنّه موقف مُضلِّل وساخر تماماً، فإدارة أوباما تدرك جيداً أن فرض نظام دمية معادٍ لروسيا في كييف يخضع للسيطرة الأمريكية ولحلف الناتو سَيُشَكِّل بنظر بوتين والجيش الروسي تغييراً كبيراً في البيئة الجيو سياسية لأوروبا الشرقية وتهديداً للوجود الروسي .
فمن غير المعقول ألا يتوقع البيت الأبيض والبنتاغون وال سي. آي. إيه ردة الفعل هذه من جانب روسيا ، هل يمكن أن يصدق أحدهم ألا تتوقع أمريكا ردّة فعل كهذه من الجانب الروسي وأقلها نشر قوات عسكرية لضمان السيطرة على شبه جزيرة القرم ـ التي كانت تشكل جزءاً من روسيا حتى عام 1954، ومخبأ الأسطول الروسي في البحر الأسود ونقطة وصولها الوحيدة إلى البحر الأبيض المتوسط ؟ أَوَ تَظُن أمريكا بأن روسيا ستدير لها الخد الآخر لتتلقى صفعة أخرى بقيام نظام يميني متطرف في أوكرانيا يسيطر فيها كارهو الأجانب، ما يحول البلاد إلى قاعدة متطورة جديدة لحلف الناتو، فتتمركز قاعدة صاروخية على الحدود الروسية ؟
الأسباب الحقيقية للحملة الحالية ضد روسيا لا علاقة لها بالسيادة الوطنية في أوكرانيا أو احترام القانون الدولي، فقد ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا في السنوات الأخيرة، إذ شهدت الجهود الأمريكية لزيادة قبضتها على الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا مقاومة محدودة من الجانب الروسي.
في سورية أجبر الدعم الروسي للحكومة السورية الولايات المتحدة على إرجاء خطط تدخلها المباشر منذ أيلول الماضي. فالطبقة الأمريكية الحاكمة لا يمكن أن تقبل أقل تدخل في عملياتها الإمبريالية ، إذ تشمل الخطط الإمبريالية الأمريكية في إعادة تشكيل العالم بما يضمن مصالحها تقسيم روسيا إلى أجزاء صغيرة أكثر فأكثر مما يسهل تلاشيها . سياسة أمريكا لا تعاني فقط من عدم وضوحها في أهدافها الخارجية، إذ إن بنية بلادها الاجتماعية والسياسية هشة ومليئة بالتناقضات إلى حد الانفجار ما يضطر القادة للجوء إلى التدخلات العسكرية وحروب لا تتوقف بهدف إلهاء الشعب الأمريكي وتضليله.
تدرك نخبة القادة الأمريكية حجم الغضب والاستياء المنتشر في بلادها نتيجة وقوعها منذ خمس سنوات وحتى الآن في أزمة اقتصادية حادة، فالتفاوت الاجتماعي في ازدياد مستمر، الأمر الذي يثير غضب الشعب وسلسلة الحروب التي لا تنتهي تسعى لإيجاد متنفس خارجي للضغوط الاجتماعية الداخلية.
هل التفاعل الضار بين الطموحات الإمبريالية الجامحة والمخاوف من الاضطرابات الداخلية أنجم وضعاً جعل القادة الأمريكيين مستعدين لمخاطرة القيام بحرب نووية ؟ الجواب على هذا التساؤل نقرؤه في سلوكيات الحكومة الأمريكية. لكن مهما كانت النيات المباشرة للحكومة الأمريكية، إلا أن الديناميكية الامبريالية لها منطقها الخاص بها. إن الوضع الذي أثارته الولايات المتحدة في امريكا قد يؤدي إلى مجموعة من ردّات الفعل المتسلسلة التي قد يصعب السيطرة عليها حتى وإن تمّ حل هذه الأزمة لا بد وأن تتبعها أزمة أخرى قريباً.
عاجلاً أو آجلاً ستنفجر أزمة ما تؤدي إلى كارثة نووية، لابد وأن نسمع معها أصوات الرفض والتنديد قادمة من العمال، والشباب وجميع هؤلاء المعارضين للحرب.
بقلم : بيري غريي و ديفيد نورث