المتأمل في هذا الكلام يجد انه يتمتع بالعقلانية والدقة في التعبير عن اهمية الدور الذي يجب ان تقوم به الدراما, لا سيما التلفزيونية في خدمة المجتمع وحماية الافراد داخل المجتمع من الانغماس العشوائي في متاهات ومفرزات العالم الجديد .
ومما لا شك فيه ان الاساس في العملية الابداعية الدرامية هو النص الذي يحوله المخرج المتمكن من مادة جيدة لكنها جافة بحكم انها على الورق الى مادة حية فيها روح وحياة تنبعث من خلال توزيع المخرج الادوار على ممثلين قادرين على توصيل الهدف المراد توصيله عبر هذا المسلسل او ذاك كما يحتاج المسلسل الى تقنيات ملفتة من ديكور واضاءة..
كما يحتاج الابداع الدرامي الى انسجام النص مع الاخراج ومع قدرة الممثلين على الاقناع وقدرة الفنيين على وضع المشاهد في الزمن والمكان المطلوبين .
هذا كله يؤدي الى نجاح العمل الدرامي وهذا ما لاحظناه في العديد من المسلسلات السورية فقد استطاع المخرج حاتم علي في مسلسل التغريبة الفلسطينية ان يضع المشاهد في اجواء المرحلة التاريخية التي تزامنت قبيل الاحتلال الاسرائيلي واثناء الاحتلال وبعد الاحتلال معتمدا على النص الجيد للكاتب وليد سيف كما اعتمد على انتقاء الفنانين القادرين على اقناع المشاهد من خلال اتقانهم اللهجة الفلسطينية واتقانهم تمثيل الحالة الاجتماعية والظروف السياسية التي عاشها اهلنا في فلسطين المحتلة في ظل الاحتلال لدرجة ان بعض المشاهدين ظن ان المشهد الذي يرصد حالة التهجير من الاراضي الفلسطينية امر واقع او منقول من الارشيف هذا التعامل الابداعي مع صياغة المشهد الدرامي أدى الى تألق الدراما السورية.
كما استطاع المخرج بسام الملا , ان ينقلنا الى الاجواء الشامية القديمة بمادته الاصيلة التي تميزت في فترة الاحتلال العثماني ووضع المشاهد في اجواء تلك المرحلة والحارات والازقة والعادات والتقاليد والحميمية واللهفة والايثار التي نفتقدها في عصر المادة وسطوة المال حتى بين الاهل.
الامثلة كثيرة وعديدة التي تدل على اهمية الدراما في تغيير الاتجاه واعادة النظر في قيم وعادات سادت او انتشرت في عصرنا الحالي كما استطاعت الدراما اقناع المشاهد بنبذ العديد من العادات القديمة البالية التي يجب ان نتخلص منها بوصفها عائقاً في وجه التطور الحضاري الذي يشهده العالم اليوم .
كما تستطيع الدراما ان تحفظ القضايا العربية وتذكر الجيل الجديد بقضاياه العربية التي يجب ان تبقى في الذاكرة حتى نستطيع استعادة جميع حقوقنا العربية المغتصبة ولابراز دليل دامغ على اهمية الدراما من هذه الناحية ان مسلسل التغريبة الفلسطينية هذا العمل العالمي الذي يجب ان يترجم الى عدة لغات نفض الغبار عن عيون جميع العرب بمختلف فئاتهم العمرية عندما شاهدوا المأساة التي عاشها ويعيشها ابناء الشعب الفلسطيني جراء تهجيرهم من بيوتهم واراضيهم وهنا يتضح الاثر الذي تركته الدراما التلفزيونية اكبر بكثير مما قد كتب طبعا مع الاكبار لجميع الكتاب الذين كتبوا عن القضية لكن ما شاهدناه بأم العين عن الاثر الذي تركه مسلسل التغريبة يجعلنا نعيد النظر في تنظيم الدراما السورية التي تتضح اهميتها في بلورة وتوضيح كل ما يجري من حولنا في اطار درامي محبب يحظى بمشاهدة ومتابعة اكثر بكثير من ندوات قد تجمع اهم رجال الفكر والمعرفة والسياسة .
على اعتبار ان الجيل الجديد لا يحب الوعظ او سماع الحكم مع أن الدراما تقدم هذه الاخيرة لكن باسلوب غير مباشر يستنبطه المشاهد بنفسه ولا يقدم اليه بشكل مباشر او فج هذه الاهمية تستدعي ان تقدم اقتراحا عله يجد له طريقا للتنفيذ عند المسؤولين .
الاقتراح هو اقامة مؤسسة عامة للدراما السورية هذه المؤسسة تتمتع بالتالي:
اولا أن تكون هذه المؤسسة انتاجية وليست خدمية مهمتها خدمة او انتاج الدراما السورية وبالمقابل تساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
ثانيا: مهمة هذه المؤسسة تقديم دراسة تقييمية سنوية عن وضع الدراما السورية ولتهتم اولا بشؤون الدراما التلفزيونية علها تتطور فيما بعد وتهتم بشؤون الدراما السينمائية والمسرحية التي شاخت وهرمت واوشكت على الاندثار .
ثالثا : حماية الدراما التلفزيونية من العشوائية والتخبط من خلال تنظيم انواع الدراما التلفزيونية السورية التاريخي منها والاجتماعي و الكوميدي والتراثي حسب مبدأ العرض والطلب لنحافظ على نجاح درامانا ومنع كسادها في الاسواق المحلية.
رابعا: البند السابق لا يتم الا من خلال عملية الانتقاء للنصوص الجيدة التي تحمل في طياتها اهدافا ورسائل تهم المجتمع السوري والعربي عموما كما تهتم هذه المؤسسة باعتماد المخرجين المتميزين وتأهيل بعض المخرجين الذين لا يتمتعون بميزة الابداع الاخراجي .
خامسا : يتوجب على المؤسسة ان تدعم التعاون الجدي والهادف ما بين القطاع العام والقطاع الخاص من حيث الانتاج وبذل اقصى جهد لتوفير التسهيلات في هذا المجال .
سادسا : من مهام هذه المؤسسة المفترضة تسويق الدراما السورية والمحافظة على انتاج دراما تلفزيونية سورية بمستوى جيد وراق.
سابعا: اعتماد توفير الفرص لتبني نجوم جدد وعدم تكرار الابطال انفسهم في اكثر من مسلسل .
اذاً كانت دراسة متواضعة لحماية الدراما ا لسورية من السقوط او العشوائية وتنظيمها في مؤسسة قائمة بحد ذاتها لها صيغتها الاعتبارية.
ويبقى الرجاء ان يتلمس المسؤولون اهمية الدراما وانعكاس اثرها على المجتمع واهمية ان تنظم وتقدم لها الرعاية الكافية واللازمة .