في فندق في البصرة وخلال الأيام الثلاثة التالية ووفق ما رواه أحد شهود عيان تناوب الجنود البريطانيون على إذلال وضرب وتعذيب موسى حتى الموت.
ويعاني أحد المعتقلين الآخرين ويدعى كفاح المصري من فشل كلوي حاد بسبب المعاملة السيئة التي لقيها في السجن, بينما تعرض سبعة آخرون للإساءة في معاملتهم والتحرش بهم بشكل متكرر.
وكانت المحكمة العليا في لندن أصدرت حكما يقر بأن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنطبق على العراق أثناء الاحتلال البريطاني فيما يتعلق بالأشخاص الواقعين تحت سلطة وسيطرة القوات البريطانية, وأنه قد حدثت انتهاكات للمتطلبات الإجرائية المستمدة من المادة الثانية (حق الحياة) والثالثة (منع وتحريم التعذيب) ويتوجب الآن القيام بتحقيقات مستقلة تماما ومستفيضة حول موت موسى وجميع حالات التعذيب التي تورطت فيها القوات في المناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية.
والواقع في هذا الإجراء هو أنه لا يمكن تفسير هذه الحوادث بإعفاء بعض الجنود الشواذ من الرتب العسكرية, فتشير الأدلة إلى تورط بعض المسؤولين ووجود سياسة متبعة للتعذيب.
وهناك مقارنات مدهشة بين هذه الأساليب وتلك التي تتبعها القوات الأميركية في خليج غوانتانامو وأبو غريب والموصل.
ويجب أن يكشف التحقيق إلى أي المستويات القيادية وصل التورط في هذه المسألة.
وبدون تطبيق تحقيق كهذا لن يكون للقانون الدولي والمحلي أي فاعلية كما أن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي حقوق المدنيين في ظل الاحتلال لا تتضمن آليات لضمان تحقيقها.
وبالرغم من أن بريطانيا تعتبر جرائم الحرب جرما جنائيا محليا فإنه بدون معرفة المسؤول عن هذه الجرائم من خلال التحقيق لا يمكن إجراء محاكمة.
ثم إن القانون العسكري قد أثبت بوضوح فشله في هذه الحالات لأنه مرة بعد أخرى يصدر الضابط المسؤول قراره بعد الاستماع إلى رواية الجنود فقط بأنه لم يكن هناك أي اختراق لقوانين المعركة والقواعد السرية التي تحكم تصرفات الاحتلال.
غير أنه خلال تسعة عشر شهرا مرت على أول حالة وفاة حدثت أربعون قضية من القتل والتعذيب, ولم يتم إدانة جندي واحد فيها..!!
إن التحقيق المستقل سوف يمنع الجهات العسكرية من إخفاء هذه الحوادث, إضافة إلى ذلك على البريطانيين مواجهة مجموعة من الأسئلة الصعبة مثل هل بلغنا درجة من السوء تضاهي تلك التي وصلها الأميركيون?
وهل يمكن أن يكون وزير الدفاع البريطاني قد علم بأمر هذه السياسة ما سيتطلب تحميله المسؤولية عما جرى?
لقد تم كسب هذه القضايا بسبب دعوات قضائية شخصية على الجنود خلال فترة اعتقالهم.
والحقيقة إن هناك استثنائين يقفان في طريق المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان, الأول هو بريطانيا أو أي دولة أوروبية موقعة على المعاهدة لا تمتلك السلطة القضائية إلا ضمن أراضيها.
والاستثناء الثاني والذي يحمل تبعات أوسع هو امتلاك الدولة سلطة قضائية في المنطقة التي تمتلك فيها سيطرة فعالة.
وقد تركت المحكمة هذه النقطة مفتوحة معتقدة أن هذا القانون لا ينطبق خارج أوروبا وسوف يرفع الآن إلى محكمة الاستئناف.
أهمية هذا واضحة لأن فوز أصحاب الدعوى المرفوعة سوف يغير طبيعة أي صراع في المستقبل وأي عملية حفظ سلام أو احتلال يشترك فيها أعضاء الناتو الأوروبيون.
فمجرد أن تمتلك دولة واحدة من هذه الدول أو مجموعة سيطرة فعالة على أراضي دولة أخرى في أي مكان من العالم فسوف يتم تطبيق الاتفاقية الأوروبية, وهذا يعني أن انتهاكات حق الحياة أو حظر التعذيب يجب أن يكون موضع تحقيقات مستقلة تقوم بها الدولة المسؤولة.
إن لدي أسبابا تدفعني للاعتقاد بأن الكثير من أولئك المسؤولين عن الاحتلال وعن عمليات سلطة الائتلاف الإقليمية يعرفون تماما أن الاتفاقية تنطبق ليس فقط على جنوب شرق العراق ولكن على سائر أنحاء العراق.
فبريطانيا والولايات المتحدة لم تمثلا مجرد قوات للاحتلال في ظل السلطة القانونية لمجلس الأمن بل كانتا مسؤولتين عن كل مظاهر الإدارة والتشريع من خلال الأدوات القانونية.
كما إنهما كانتا المسؤولتين عن ممارسة الوظائف التنفيذية مثل الشرطة والسجون والقضاء.
فالقوات البريطانية لم تسيطر على جنوب شرقي العراق فحسب, بل أن الإداريين والعاملين المدنيين البريطانيين قد حكموا البلد كاملا مع الولايات المتحدة ويبقى سؤال واحد عما إذا كانت الاتفاقية الأوروبية تنطبق خارج أوروبا في المناطق التي تمتلك فيها إحدى الدول الأوروبية سيطرة فعالة.
وفي كل الأحوال فإنها تنطبق على الأقل في جنوب شرقي العراق وعليه يجب إعلام العامة بالخطأ الذي حدث في العراق ومن هو المسؤول عن ذلك.
إن الموكلين من أقرباء القتلى أو ضحايا التعذيب سوف يحظون ببعض الرضا إذا عرفوا أن البريطانيين تعلموا دروسا ستفيدهم في المستقبل.