وهل هناك فئات فاعلة في المجتمعات العربية تسعى للتطوير الإداري حقا بأي دافع ,هل هو وطني أو مصلحي أو من أجل تحقيق الذات أو إعادة توزيع للمصالح .
بهذه التساؤلات افتتح الباحث السوري هاني الخوري محاضرته حول الإصلاح الإداري في سورية مشيراً في البداية الى أن الإصلاح والتطوير الإداري في سورية نظر اليه نظرة مهرجانية وإنقاذية ولم ينظر اليه نظرة جديدة تحقق عمق نتائجه السياسية أولا, وأن التطوير الإداري ينعكس عن الحالة السياسية ويعالجها بقوة ويرتبط بها وبآليات التغيير والتطوير بشكل عام .
حيث يتركز مفهوم التنمية الادارية على أساس ان العملية الادارية التي يصممها خبراء الإدارة في تثمير الجهد البشري نحو تحقيق هدف لمجموعة أشخاص ينظمون أعمالهم لتحقيق هدف مشترك بحاجة دائمة للتغيير وإعادة النظر بالأساليب التنظيمية والإدارية نحو تطوير دائم للخبرات الادارية باتجاه تحقيق الهدف بطريقة أكثر تنظيمية فيها استثمار أفضل للموارد ,ومقارنة للمصروفات باتجاه ضبط الهدر وتحسين القدرة التخطيطية والابداعية نحو أداء إداري أفضل وبالتالي التنمية الادارية تقوم بها خبرات إدارية عليا لديها خبرات كبيرة في التنظيم الإداري ومعرفة طبيعة الأمراض والآليات الإدارية التي تخترق وطريقة تعزيز آليات تفكير وعمل جديدة.
فالتنمية الإدارية عمل مؤسسي على مستوى الإدارة العليا أو على صعيد الحكومة والعمل الحكومي ككل لإعداد القيادات الادارية وتطوير الأنظمة الادارية بهدف تحسين استثمار العنصر البشري وضبط الهدر وتحسين الانتاجية والاستفادة من القدرات الابداعية للعاملين باتجاه المنافسة الصحيحة ,وكل التطويرات الادارية من خلال التنظيم والرقابة والتقييم والتحفيز تعتمد على أساس التحسين المستمر للقدرات الادارية وتحقيق الخدمات للمواطن بأسرع وأفضل جودة أي تحسين الخدمات الحكومية ورفع الأداء من خلال الاختيار والتعيين والتدريب والتحفيز ومحاربة الفساد والترهل والمحسوبية وضبط الأداء وتحسين آليات الادارة الاستراتيجية في المؤسسات وآليات التفكير في التحسين المستمر مع إعداد قيادات خبيرة وديناميكية لديها انتماء ,كذلك تخفيض تكلفة الجهاز الحكومي ورفع كفاءته وأدائه والتحكم به لتحقيق أهداف التنمية بشكل فاعل , فهناك تعريفات عديدة للتنمية الادارية منها الذي ورد في الخطة الوطنية للتنمية الادارية .
وحول الأمراض الادارية السائدة في المؤسسات الادارية في سورية يرى الباحث الخوري ان المؤسسات القائمة حاليا تعاني من ضعف العملية الادارية كليا من خلال نظام إداري محدود مكرر الأخطاء في معظم المؤسسات , ليس هناك تطابق بين المنصب والخبرات المطلوبة او بين تفكير متكامل للإدارة التي تحدها قوانين وتعليمات صائبة وتفصيلية تحد من المبادرة وتنظر بعين الشك للموظف وتنحو نحو تقليص دائم للصلاحيات وآليات لاختراق النظم الادارية باتجاه المصالح رغم الشكل الحصري للعمل الاداري من خلال ثغرات فنية وتواطؤات معروفة اجتماعية ومتغاضى عنها قياديا كحالات استفادة وتعيش وهناك حالة استفادة مالية كبيرة وسرقات من قبل المديرين والمديرين الفنيين والماليين والمحاسبين ولجان الشراء وكل الأعمال التي تمس المواطن من حيث ضبط الأداء والمخالفات والسماحات المختلفة .
من جهة أخرى أشار الباحث هاني الخوري الى عدم الالتزام بالأسس الاقتصادية لادارة المؤسسة والاعتماد على الوظيفة الاجتماعية وضعف المنتجات وعدم منافستها وتلبيتها لتطور احتياجات السوق وارتفاع تكلفة المنتج في القطاع العام رغم مزاياه في الضرائب واحتكار السوق , وضعف منظومة التحفيز والقدرة على متابعة الجهد الابداعي فالتوجه الاداري الذي ساد يركز على الوظيفة الروتينية كذلك نقص الرواتب والأجور وعدم مجاراتها لاحتياجات المعيشة الكريمة , وسيادة ثقافة التدبر الشخصي وضعف الالتزام بالقيم الكبيرة والحاجات العليا في المجتمع وضعف الثقافة والتعلم والالتزام النوعي المعرفي وجمود القدرات البشرية في الادارة.
حيث سادت ثقافة الجمود والعقل الوصائي والتوجيهي باعتبار الانسان اداة غيرمفكرة وعدم الاعتماد على القدرة العلمية وعلى استثارة الطاقة النقدية والتحليلية في التفكير فتحولت المؤسسات العامة لمؤسسات روتينية غير منتجة وهادرة .
وفي هذا الإطار يعتبر الباحث هاني الخوري إن مفهوم التدريب والتأهيل في سورية مفهوم مشوه وغير واضح وهو غير قائم على أساس صناعة علمية للتدريب والتأهيل فكل الاتجاهات العلمية تؤكد على ضرورة التدريب والتأهيل المستمر في العمل الإداري , ولكن هذا التدريب يتطلب حالة إعداد للمناهج التدريبية وللمدربين ذوي الخبرات والإطلاع المناسبين والتدريب الإداري معقد منوع وبحاجة لأشخاص لديهم طرق تفكير وآليات عرض وتنظيم عالية,فالمدرب الإداري هو شخص إداري مطلع على واقع المؤسسات العامة والخاصة وأساليب العمل الإداري العالمية والطرق الناجعة للعمل الاداري في سورية وبأساليب علمية حديثة ومقنعة وقادرة على تغيير منظومة التفكير السائدة .
ولهذا السبب لايخفي الباحث هاني الخوري أن سورية بعيدة جداً عن مفهوم الاستثمار في الموارد البشرية والسبب هو تخلف منظومة التدريب والتأهيل وبنفس الوقت نقص الأجور وعدم ربط الأجر بالخبرة والكفاءة والفعالية بشكل يتناسب مع نوعية الخبرة والجهد المقدمة وبالأساس نوعية التعليم غير مناسبة للسوق ولامجارية للتطور العلمي والمعرفي رغم التوجهات التي تركز على التعليم المجاني والدراسة الجامعية المجانية التي ولدت اعدادا كبيرة من الجامعيين بغير خبرات عملية وباختصاصات وطرق عمل مكررة لايحتاجها السوق أو بحاجة لإعادة تأهيل لدخولها سوق العمل والاستثمار في الموارد البشرية الذي ينطلق من الاختيار والاستقطاب والتعيين والتحفيز والمتابعة والتقييم للكوادر البشرية ودراسة احتياجات الموارد البشرية لسنوات .
وفي مجال تبسيط الاجراءات وتحسين الخدمات الحكومية يرى الباحث هاني الخوري ان عمليات تبسيط الاجراءات الحكومية عملية ضرورية لتسريع العمل والمعاملات الحكومية ولكنها كذلك تعاكس فلسفة المؤسسات الخدمية الحكومية التي يعتبر فيها الموظف ناقص الأجر بان تسهيل الخدمات الحكومية يحد من سلطته واحساسه بالتحكم بالمواطن وبنقص بالتالي من قدرته على فرض ابتزاز مادي مقابل تسهيل الاجراء وتجاوز بعض الاحتياجات الروتينية في المعاملات .
لذلك فان التطوير الاداري في المؤسسات يعتمد على أساس رؤية الادارة ومجموعة القيم والرؤى التي تقوم عليها المؤسسة وفق أهدافها الادارية وتطوير أساليب العمل وبعد سنوات تطورت فيها أساليب وأدوات التنظيم وتغير الاهداف والتحديات يصبح التطوير والتغيير داخل المؤسسات هو موضوع إعادة هيكلة وبناء للمؤسسات بكل مافيها من أنظمة وتعليمات وأقسام وآليات تعيين وطرق تحفيز وآليات مراقبة للإنتاجية وتقييم للأداء الاداري داخل المؤسسات .
وفي هذا الإطار يؤكد الباحث السوري أن فلسفة اعادة بناء وهيكلة المؤسسات سادت مع بداية التسعينيات مع انهيار الاتحاد السوفييتي وحالة التحول نحو المنافسة واقتصاد السوق التي رتبت آليات تغيير عميقة في هيكلة المؤسسات بناء على تطور التقنيات وحالة التطور نحو شركات عملاقة عابرة للقارات والقدرة على تطوير الأداء وفق التطورات العالمية التقنية والاقتصادية العالمية وهذا حدث في الدول الاشتراكية وفي كل الدول الغربية على حد سواء ما شكل ثورة في التطوير الاداري على المستوى العالمي .
وحول مداخل الاصلاح والتطوير الاداري المناسبة يشير الباحث هاني الخوري في محاضرته إلى ان العديد من خطط التطوير الاداري فشلت في الدول النامية وتراوحت النتائج بين السلبية أو محدودة النتائج حيث لكل تجربة سبب في السقوط وآليات ممانعة واضحة تعتمد على ضعف التخطيط وعدم تكامل الخطوات وعلى وجود المصالح والفساد ونقص الخبرات الادارية وعدم وجود فئات إدارية واسعة لها مصلحة في الاصلاح وهي قادرة على تفعيله وادارته, لذلك فمن الأسباب الأهم هو قوة خطوة التنمية الادارية والأموال المرصودة لها والخبراء والمؤسسات الادارية الداعمة داخلية وخارجية وتهيؤ الجو السياسي أو المناخ العام للإصلاح والتطوير والقدرة على تجاوز المصالح الخاصة حين توفر رؤية وإرادة سياسية كبيرة للإصلاح الإداري والإيمان بأولوية الإصلاح الإداري واستراتيجياته في بناء المجتمع وتحقيق أهدافه .
لهذا السبب يرى الباحث السوري ان خطة التنمية الادارية في الدول النامية حتى تنجح تتطلب حشد قوى اجتماعية مختلفة والتخطيط على المستوى القريب والبعيد منها مايعتمد إصلاح الآليات وتكريس العمل الاستشاري والتدريبي ومنها مايعتمد مؤسسات دعم القرار وتدريب القيادات وعدم الاستكانة للأسماء الكبيرة والثقة بنتائجها, وأن يكون الإشراف السياسي كبيراً وعدم الاستكانة لحالات فشل مؤقتة وجدية محاربة المصالح والفساد واعادة تشكيل المصالح بأشكال جديدة حضارية وإيجاد محرك وطني للإصلاح ورصد ميزانيات كبيرة للإصلاح الاداري وترافقها بمتغيرات اقتصادية وتنموية واستثمارية مناسبة والعمل على مأسسة التطوير الاداري وعدم احتكاره وتعريض تجربة التنمية الادارية للنقد المستمر والحفاظ على نقاء خبراتها وقياداتها واعتمادهم كرموز وطنية وتقديم كل مقومات تحصينهم ومحاسبتهم بنزاهة وفعالية و الاستعانة بخبرات عربية وعالمية ومؤسسات استشارية عربية بتكلفة كبيرة مدروسة لعدم تحويلها لتجارة سلبية .