ففي هذا المعتقل الذي وقفت أمامه هديل وهدان كاتبة التقرير لوكالة بي بي سي من رام الله ولدت الصغيرة قبل ثلاث سنوات, وفي عالم حدوده قضبان المعتقل وملامحه تكشيرة السجان, قضت سنوات عمرها الثلاث محرومة من لون السماء.
وذنب عائشة الوحيد أنها الابنة الوحيدة لامرأة فلسطينية اسمها عطاف عليان, تتهمها إسرائيل بالانتماء لفصيل سياسي معاد لها.
كانت الجدة أم وليد تجلس أمام السجن على صخرة وضعها الحرس لمنع اقتراب المركبات من البوابة. والجدة, التي جاوزت السبعين, هي ما تبقى للصغيرة عائشة من عائلتها بعد أن اعتقل الجنود الإسرائيليون والدها قبل الإفراج عنها بيومين فقط.
كان التوتر والقلق باديين على ملامح العجوز: لو أنهم أجلوا اعتقاله يومين أو ثلاثة, سيعيش ولدي بحسرة لأنه لم يضم ابنته إلى صدره , قالت أم وليد فيما تحجب أشعة الشمس عن وجهها بيديها.
واستطردت تروي تفاصيل اعتقاله التي بدت مشابهة لمئات قصص الاعتقال التي اسمعها, قبل أن تطلب مني أن أسأل الجنود الثلاثة على بوابة المعتقل متى يطلق سراح الطفلة.
وقبل أن أقنعها باستحالة الاقتراب, فتحت البوابة الإلكترونية ببطء مصدرة صريراً مزعجاً, لتظهر عائشة... كانت تمسك بيد رجل تبين فيما بعد أنه محامي الوالدة عطاف وقد كلفته إدارة المعتقل باستلام عائشة وتسليمها لذويها بالخارج.
وفي تلك اللحظة صاحت الجدة وقد انتفضت واقفة على قدميها يا حبيبتي يا ستي.. يا حبيبتي يا ستي فيما اندفعت باتجاه الصغيرة تحتضنها وتقبلها.
لم تتقبل عائشة جدتها التي كانت تراها للمرة الأولى, واختبأت باكية خلف الرجل الذي اصطحبها فيما تصرخ بصوت حاد ماما . وبدأت تسحب يد مرافقها للخلف فيما تتركز عيناها الدامعتان على البوابة التي أغلقت خلفها فحجبت عنها والدتها المنتحبة على فراق صغيرتها.
وبخطوات مترددة, خطت الصغيرة أولى خطواتها خارج العالم الوحيد الذي عرفته تحتضن بين ذراعيها دمية من قماش وما اتسعت له ذاكرتها الغضة من سنواتها الثلاث التي قضتها في السجن. ويذكر ان 11 ألف معتقل فلسطيني يرفض الاحتلال الافراج عنهم.