نعم هز المشهد النقدي بعنف وما بين قبول ورضى واختلاف واتهام، أثار زوابع كثيرة وأشعل حرائق مازالت مستمرة لحد الان...لم يقف عن إضرام النار في هشيم اللغة والمصطلحات...استمر في اعماله هذه وتتالت من مقدمة الشعر العربي الى كل ما انجزه.
دار التكوين التي تحتفي بالشاعر بإعادة إصدار الأعمال النقدية تتابع السلسلة هذه التي يشرف عليها الشاعر سامي احمد مدير الدار وفي جديدها المهم كتاب ادونيس كلام في البدايات، وهو قراءة نقدية مهمة جدا تعود إلى الشعر العربي في العصر الجاهلي وتعيد قراءته برؤية مختلفة تماما، تعيد له ألقه واتقاده وقدرته على التجدد الكامن في جوهره الثمين.
يقرأ ادونيس الشعر الجاهلي كلا متكاملا بعيدا عن الفكرة أو المفهوم النقدي السائد والذي تيبس من فرط استخدامه.
وفي مقدمة الكتاب يرى أن الشاعر الجاهلي على الرغم من ارتباطه بالقبيلة ارتباطا وثيقا يبدو فيه كأنه جزء منها لكنه في شعره على المستوى الفني يتسم بطابع الفردية الأنوية وكأنه عالم وحده وكأن اناه الشاعرة غير اناه الاجتماعية القبلية ما يكون هنا موقف الأنا القارئة..أعني ما المستوى الذي تتلاقى فيه الانا الشاعرة الذاتية والأنا القبلية الاجتماعية وكيف تفصل بينهما أو توحدهما الانا القارئة وما معيار ذلك..
يرى ادونيس انه في هذا الإطار تنشأ ثلاثة أسئلة الأول:هل يمكن أن تتكون الانا الشاعرة المبدعة اذا لم تنفصل بشكل أو آخر عن الانا المعطاة أو المفروضة عليها بالولادة... الثاني:هل هذا الانفصال إيجاب يغني الذات وبالتالي الجماعة ام انه سلب يفقرهما.
الثالث:ما تكون علاقة الذات بالموضوع وهي علاقة جوهرية في القصيدة وفي كل عمل فني أو كيف تحدد العلاقة بين الذات الشعر والذات القبيلة.
هذه الأسئلة يبحثها ادونيس في كتاب البدايات هذا عبر الفصول التالية:
كلام في البدايات الذي يتضمن رحلة في شعر مجموعة مهمة من شعراء العصر الجاهلي ومنهم امرؤ القيس وعروة، القسم الثاني يأتي تحت عنوان:بدايات لكلام آخر يقرأ النص لغة ونحوا ليصل إلى تجاوز الحداثة.
وثمة ثلاثة ملاحق للكتاب حول الشعر والشاعر وخواطر في النقد ومن ثم اختيار اربع مجموعة قصائد لتقديمها للقارىء، هي معلقة امرىء القيس وعروة بن الورد وعمرو بن كلثوم.
ويخلص الى القول: إن شعرية المعلقات هي في حركتها التجاوزية, ففي المعلقة شيء يتجاوز التاريخ الذي نشأت فيه, ويتجاوز ذلك البنية التي صدرت عنها, يعني ذلك بتعبير آخر أن للعمل الشعري حياة خاصة مستقلة، فكما أن ابداعه لايفسر تفسيرا كاملا باطاره التاريخي, ذلك انه يبدو أن للعمل الشعري والفني بعامة تاريخا خاصا, داخل التاريخ العام, تاريخ لايخضع على الأقل في علاقته مع التاريخ الى حتمية صارمة, يجب التوكيد في هذا كله على ان هذا العمل لايمكنه أن يكون مستقلا تمام الاستقلال, فليست له حياة خاصة به إلا في التاريخ وبه, ذلك أن الشخص الذي ابدعه والاشخاص الذين يقرؤونه عائشون هم كذلك في التاريخ.
وتبعا لذلك شعرية المعلقة كامنة في كونها مشروعا وكل مشروع تطلع نحو مستقبل ما, او نحو بعد ما, وهذا البعد الذي تخلفه المعلقة يشبه فجرا تتكشف في ضوئه اشياء الذات واشياء التاريخ, إنها صورة شاعر يحول واقعه فنيا,,ان حياته نهر تحول وأن الاشياء سابحة في هذا النهر.
بقي أن نشير إلى أن الكتاب يقع في 252 صفحة وقد صدر عن دار التكوين بدمشق.
Yomn.abbas@gmail.com