دون تحقيق أي« انتقال» أردناه ديمقراطياً للسلطة فيها، أوحتى الاستيلاء عليها.. ليبقى، وهذا جل مانخشاه، المستفيد الأكبر من ثمار ربيع كهذا هم حتماً الجماعات الإسلامية المتطرفة والأكثر تطرفاً على نحو خاص..
ففي «سورية» انطلقت الاحتجاجات في آذار 2011م وتحولت وانقلبت إلى احتجاجات مسلحة اختطفتها ميلشيات جهادية إسلامية متطرفة تحت عناوين شتى، ولكن محركها الرئيس يبقى «تنظيم القاعدة».
هذه الجهات المتطرفة طالما دأب الغرب وأميركا خصوصاً على كيفية تأسيسه استناداً إلى أفكارهم الدينية الخاصة والمتطرفة بشكل مريع..
ولقد أظهر الجيش السوري النظامي قوة عاتية وشرسة في مواجهتهم ولتزداد القيادة السورية منعة وصلابة رغم الهجمات الشرسة المعلنة عليه من كل حدب وصوب، لكن البلاد مازالت تحت وطأة تدمير هائل في البنى الاقتصادية والتحتية، ومقتل الكثير من المواطنين رغم استمرار الأمم المتحدة في التحفظ على الأعداد الهائلة للقتلى، ومع ذلك يبدو أن القيادة السورية مدعومة من روسيا وإيران ماضية في خطتها لسحق ودحر المرتزقة في البلاد وإعادتها إلى وضعها الآمن المستقر..
والحالة الليبية لاتقل شبهاً عن الحالة السورية وإن بدت أقل كارثية، فغداة التدخل العسكري ضد نظام القذافي، كان غياب« الدوائر التقنية» في المؤسسات المهتمة بحل المشكلات التي يمكن أن يطرحها تشغيل آلة أو جهاز قد أفضى إلى هذا الوضع الكارثي المتفشي في الأراضي الليبية.. كما أن غياب جهاز أمني موحد لابد وأن يزيد من تصدع الدولة الليبية.. ومثلما حاولت أميركا القضاء على نظام صدام حسين في العراق عن طريق زرع الميلشيات المسلحة في جهات البلاد الأربع، هاهي اليوم تغرس في برقة الليبية الجهاديين من «القاعدة» ولتنال القبائل في جنوب البلاد استقلالها، ولم تعد طرابلس العاصمة تسيطر إلا على جزء يسير من الأراضي، وقد تم طرد الأجانب من «بنغازي» على يد الميليشيات ماعرض الاقتصاد الليبي لتدهور كبير ساهم بدوره في تغذية عدم الاستقرار السياسي في البلاد...مصر هي الأخرى تعيش حالة مماثلة لما سبق وإن بدا السياق مختلفاً جداً.. فعلى الصعيد الجغرافي فقدت السلطة المركزية في البلاد رقابتها على شبه جزيرة سيناء ،، ليتم على هذا النحو تهميش قبائل البدو حول محيطها من الناحية الاقتصادية ، لينصرفوا لتوّهم إلى تأمين لقمة عيشهم من خلال اندفاعهم لممارسة كل أنواع التجارة غير المشروعة وليبقى المستفيدون هم الجهاديون بالطبع كما انحسرت الرقابة المركزية وأجهزتها الأمنية عن مجمل المنطقة الاستراتيجية في قناة السويس .. وفي أعقاب الاضطرابات التي اندلعت عشية الاحتفال بذكرى الثورة المصرية مؤخراً ، سارع الرئيس المصري ،محمد مرسي في إصدار مرسوم يقضي بحظر التجول في المدن المحطية بقناة السويس وهي بور سعيد والاسماعيلية لكن نداءه لم يلف استجابة القبة من المواطنين فيها كما ونلحظ بشكل جليّ استقرار الفوضى وترسيخها مع اعتلاء الإخوان المسلمين سدّة الرئاسة في البلاد ممثلين بالسيد مرسي الأمر الذي قاد إلى اندلاع تظاهرات احتجاجية عنيفة قامت بالهجوم والاعتداء على البنية التحتية والآثار والمعالم وسلطات الدولة المصرية .
يمكننا القول بأن الأزمة السياسية في مصر تستمد قوتها واستمراريتها من الاقتصاد المصري المترنح والمتدهور والذي بدوره يزيد من شدة الأزمة السياسية المتهمة ولتدخل البلاد على هذا النحو في حلقة مفرغة ، حيث تعرضت العملة الوطنية للهجوم والاحتياطي من النقود للنفاد، وعائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية من النضوب والاستنزاف فضلاً عن المضي في عمليات تحويل النقود المكثفة ومصدرها قطر..!!!
وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المصرية الجنرال عبد الفتاح السيسي كان حذّر، في 29 كانون الماضي، من مغبة وخطورة «انهيار الدولة المصرية» داعياً إلى ضرورة الاعتماد على الجيش المصري كملاذ أخير للحفاظ على مصالحه الخاصة داخل إطار الدولة المصرية، دون أن يخفي الجنرال خوفه من عدم إمكانية إطلاق حوار وطني، تمّ تسويته مسبقاً، بشكل صحيح وراسخ وجدّي، فبدون ذلك سيكون من الصعب جداً التربص بالقوى التدميرية ومنعها عن الإيغال في تدمير كل معلم ورمز ومكون في المجتمع المصري.. كما وتشير الوقائع المصرية بأن فراغ سلطة الدولة المصرية في المنطقة الصحراوية الشاسعة تمثل تهديداً حقيقياً يجب الأخذ به بعين الاعتبار، ما يشير إلى عجز السلطة عن مواجهة تمرد الطوارق وزيادة تأجيجه من قبل المجموعات الاسلامية المتطرفة وتجار المخدرات الذين ساهموا معاً في انبثاق دولة «مالي» عشية الانقلاب العسكري على الكابتن سانوغو في 22 آذار 2012، وما زال غزو هذا البلد «مالي» يستمر ليكتمل، حالياً، بتدخل القوات الفرنسية... وهنا يجب على الجيش المالي أن يسيطر بنفسه على شمال البلاد وإجراء تسوية معتدلة مع كافة أطياف الشعب المالي سبيلاً للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي المالية.. ففي ظل غياب سلطة متينة وراسخة وشرعية في باماكو العاصمة، يبقى التحدي هائلاً وخطراً جداً...
ثمة تحديات جسيمة تواجهها «مالي» التي تعاني هشاشة مفرطة في بنيتها لتشكل بؤرة تعتاش عليها أهداف وسياسات المجموعات الإسلامية المتشددة والمتناثرة على أراضيها وهي: تأسيس إدارة مقبولة، ضمان مراقبة لكافة المناطق، وضع حدّ نهائي لنفوذية الحدود وانفلاتها، لدرء الانزلاق في فوضى شاملة في البلاد ولكي لا تكون لقمة سائغة في أفواه الجائعين إلى الإرهاب والخراب...
بقلم: بيير روسلان