مناقشة المستقبل الاقتصادي لروسيا والنظر في سيناريوهات تطوير البلاد. وقد ركز المنتدى على وجه الخصوص على قضايا التكامل الاقتصادي واختيار الشركاء التجاريين لروسيا.
بعض المفكرين الليبراليين رأوا صراحة أن طريق روسيا الحتمي هو شكل من «الاندماج في الاتحاد الأوربي» في حين اعتقد مفكرون من اليسار الروسي أمثال مدير معهد العولمة مايكل ديلاغوين نقيض هذا، أي أن «أوربا ليست بحاجة للاندماج مع روسيا». الحكومة الروسية ممثلة برئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، أعادت التأكيد على أهدافها السياسية من التكامل الأوراسي لجعل هذه المنطقة العملاقة من العالم كجسر يربط بين الأطلسي والهادئ، وانتشال البلاد من تحدي الحداثة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المشاركون في المنتدى أقروا بالإجماع أن العالم مقبلٌ على تغييرات كبرى، وقد سبقَ للرئيس الروسي أن أعلن ذلك في كانون أول من العام المنصرم مؤكداً أن «العالم برمته بدأ مرحلة من التحولات الجذرية وربما هي صدمات كبرى». إحدى مؤشرات هذه التحولات الجذرية الماثلة للعيان، «التشظي الغربي» حسب كلمات الكسندر ميلينك. وسيتجسد هذا التشظي من خلال تحول أمريكا من قوة عابرة للأطلسي إلى قوة عابرة للهادئ التي تمسك بها آسيا الغازية، عبر عزل أستراليا الغربية عن المحيط الهادئ وجعلها آسيوية تدريجياً، لكن أيضاً ومن خلال عجز أوربا عن العولمة، ما يجعلها تخاطر بالخروج من التاريخ عبر باب سري. وبهذا السياق، يبدو أن السياسات الأخيرة التي اعتمدتها إنكلترا تشير إلى المرحلة الأولى من هذه الظاهرة (عالم دون اتحاد أوروبي) والتي ربما بدأت قبل ذلك بكثير.
هذا التحول نحو عالم معطل غربياً ويأخذ الطابع الآسيوي يحمل على الاعتقاد أن النوايا الروسية لاحتلال مكانها كشريك أوروبي أول لآسيا وكجسر بين منطقة آسيا - الهادئ والمنطقة الأوروبية - الأطلسية ليست خياراً استراتيجياً هاماً فحسب، وإنما هو خيار جوهري لضمان بقاء روسيا اقتصادياً وثقافياً.
هذا الخيار الروسي يمكن أن يوجد مخارج، بل أيضاً بوابة لانطلاق أوروبا نحو آسيا والقارة الأوراسية. الرئيس الروسي، وخلال خطابه السنوي الذي ألقاه في كانون أول الماضي، أكد أن آسيا ستعطي الأولوية الأكبر لتطوير روسيا في السنوات الخمسة والعشرين القادمة، وعلى مستوى الطاقة، تنوي إتمام من 22 إلى 25 بالمئة من صادراتها البترولية و20 بالمئة من الغاز في آسيا - الهادئ من الآن وحتى 2020.
إن انقلاب العالم بما فيه روسيا نحو آسيا في توسعها الكامل يمكن أن يغير أسلوب الحكم في روسيا، وذلك نظراً - حسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف إلى أن المرحلة المسمّاة ثنائي، أي (اتحاد بين رجلين، فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف) يمكن أن تنتهي. ليس لأن الرجلين في حالة حرب، ولكن لأن الوضع السياسي الداخلي والخارجي أصبح مختلفاً. الدوافع الليبرالية والحداثوية لديمتري ميدفيديف قد أعادت الروح للحكم في روسيا، ولكن هذا ليس بحاجة إلى أن ينظر إليه كثنائية التي تضمن التناوب السياسي ليظهر أنه أكثر ديمقراطية، حسب كلمات رئيس الوزراء السابق.
على كل حال، ظهر وجه جديد على المستوى الأول خلال الحملة الرئاسية لفلاديمير بوتين هو الوطني المتطرف الأول ديمتري روغوزين، المقرب من الجنرال ليبيد و»السيد روسيا» السابق في الحلف الأطلسي. أصبح نائباً لرئيس الوزراء ومسؤولاً عن المجمّع العسكري الصناعي وهو مناصر لخط سياسي لإعادة البناء القومي بمساندة الدولة. مؤخراً، أكد أن المجمّع العسكري - الصناعي الروسي يجب بل وأصبح قاطرة الاقتصاد الروسي.
هذه التصريحات تقاطعت مع تصريحات سيرغي غلازيف، المرشح السابق للرئاسة وهو حالياً المستشار المالي للرئيس فلاديمير بوتين. هذا الأخير، نبه مؤخراً السلطات الروسية على ما يدعى «الحرب المالية الشاملة» التي تخوضها البلدان الصناعية والغربية ضد روسيا اليوم. وحسب ما جاء على لسانه، أن القوى المالية العالمية الأساسية، لا سيّما، الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا، ودول الاتحاد الأوروبي زادت من إصداراتها النقدية بغية حيازة ممتلكات روسية، ما يعني إعلان «حرب أموال». وعندئذٍ اقترح اتخاذ تدابير تسمح للدولة الروسية بالاعتراض على شراء الممتلكات الروسية من قبل شركات أجنبية، وذلك من خلال فرض ضريبة العمليات التي تتم بأموال أجنبية للحد من عمليات المضاربة. هل هذا مصادفة؟! هذا المستشار المالي كان عضواً سابقاً في حزب «رودينا» أي (الوطن) والذراع اليمنى السابق لديمتري روغوزين.
فلاديمير ماو، مدير أكاديمية الاقتصاد الوطني والعمل العام في روسيا، استخلص من منتدى غايدار أن «التبدلات الناجمة عن أزمة خطيرة تقود إلى تبدل في التوازنات الجيوسياسية والجيواقتصادية وتكوين نظريات اقتصادية جديدة».
فهل يجب أن ننتظر تبدلاً في التوجه السياسي والاقتصادي الكبير داخل السلطة الروسية؟ يمكن الاعتقاد بذلك، ففي حين تم الإعلان عن صياغة نظرية جديدة لسياسة الخارجية والتي من شأنها تعزيز مبدأ «السيادية» للسياسة القومية الروسية، نشر وزير التطور الاقتصادي أيضاً ثلاثة سيناريوهات للتطوير الاجتماعي الاقتصادي في إطار زمني يصل إلى عام 2030.
بقلم: الكسندر لاتسا