تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الولايات المتحدة الأميركية ومنهج إدارة الأزمات في العالم

شؤون سياسية
الثلاثاء 5-3-2013
د . رحيم هادي الشمخي*

لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً خطيراً وعدوانياً على الشعوب في إدارة الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم، وخاصة بعد الحرب الباردة التي اشتعل أوارها مع الاتحاد السوفييتي السابق،

وقد بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تنحى منحى التخويف والترهيب للشعوب المتطلعة نحو الحرية والسلام وبناء قدراتها الوطنية حسب معطياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية مثل شعوب آسيا وإفريقيا.‏

وتأتي هذه السياسة الخارجية الأمريكية للسيطرة على القرار الأممي ومن ثم إخضاع المنظمات الدولية لهيمنتها، فالحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق وليبيا وحماية إسرائيل بكل الوسائل الأمريكية المتاحة، وتأليب حلفائها بالمشاركة في المؤامرة الكبرى ضد سورية العربية حاملة المشروع القومي العربي، قد أفرغ القانون الدولي من محتواه في احترام وحماية الشعوب وانتهاك سيادتها، ما أحدث ذلك التجني الأمريكي فجوة كبيرة بين أوربا وأمريكا نتيجة الحرب على شعوب العالم وخاصة في زمن إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش، بل امتدت إلى احتدام الجدل حول استراتيجية الدول الغربية تجاه النظام العالمي الجديد وفي هذا الصدد انتشرت في تلك الفترة تعليقات تفيد أن العالم يواجه خياراً صعباً بين التعددية والقانون الدولي والهيمنة الأمريكية المطلقة، وحقيقة الأمر أنه منذ اعتلاء المحافظين الجدد سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية تزايدت مخاوف دول الاتحاد الأوربي بسبب الاختلافات الكبيرة في الرؤى بين الطرفين، فالدول الأوربية تدرك تماماً أن الإدارة الأمريكية الحالية في ظل هذا التيار المحافظ لديها خطط محددة تسعى إلى تحقيقها بلا رادع، فهي تسعى إلى الانفراد بقيادة النظام الدولي وإدارته وتوجيهه بما يتفق مع مصالحها الخاصة والاعتماد على القوة المسلحة، وليس على الدبلوماسية، فالإدارة الأمريكية ترى أن سياسة التعددية (التعاون بين دولتين وأكثر لحل مشاكل دولية)، لم تكن فعالة في التعامل مع الكثير من النزاعات، وأنها تؤدي إلى إهدار الوقت وتصاعد الأزمات، في حين ترى أوربا أن اعتماد التعددية في سياستها الخارجية، ستكون أكثر فعالية في إعادة هيكلية العلاقات الدولية، ومواجهة المشاكل في مناطق كثيرة من العالم، وعليه فإن معظم الحكومات الأوربية والرأي العام قد شنوا هجوماً على الإدارة الأمريكية السابقة وأكدوا أهمية التعددية كمنهج في التعاطي مع قضايا السياسة الدولية، وذلك في مواجهة الانفرادية والهيمنة الأمريكية، وهذا لا يعني أن الاتحاد الأوربي يريد أن يصبح قطباً مناوئاً للولايات المتحدة الأمريكية على الأقل في المستقبل القريب، وإنما يعني أنه يريد نظاماً تعددياً يسمح للقوى الكبرى ومنها الاتحاد الأوربي بالمشاركة في صنع القرار الدولي، ويمكنها من أن تلعب دوراً على الساحة الدولية بما يتناسب مع ما تملكه من عناصر القوة العسكرية القائمة بينها وبين الآخرين للانفراد بصنع القرار في النظام الدولي من دون مشاركة الحلفاء مع استبعاد كل القوى المنافسة على قيادة النظام من لعب أي دور إلا من خلالها وبموافقتها.‏

إن الاختلاف الأوربي _ الأمريكي حول النظرة إلى العالم يظهر بسبب إصرار الطرف الأول على ضرورة ترجيح كفة الوسائل الدبلوماسية على الوسائل العسكرية في حل أي نزاع، أو اختلاف دولي، إضافة إلى تفضيل العمل الجماعي على العمل المنفرد من خلال الأطر والمؤسسات الدولية القائمة وبخاصة مجلس الأمن، أن المنهج الأحادي الجانب، ليس جديداً في السياسة الخارجية الأمريكية، فقد اتخذت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق كلينتون، عدداً من المواقف الأحادية مثل موقفها من التجديد للدكتور بطرس غالي كأمين عام للأمم المتحدة، ورفضها معاهدة الألغام، وقامت إدارة كلينتون السابقة بحملات عسكرية في العراق قبل الاحتلال، وكوسوفو من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، وبقصف أفغانستان والسودان من دون _حتى_ السعي إلى ائتلاف دولي، ومن ثم، فإنه صحيح أن فكر الجمهوريين الذين هيمنوا على المؤسسة التشريعية الأمريكية في وقت ما، كان مسؤولاً عن الاندفاع نحو الأحادية في العمل الدولي، إلا أنه لا يجوز إغفال عامل مهم هو غياب الرادع، فاختفاء الاتحاد السوفييتي كان يعني، حتى بالنسبة إلى الجمهوريين المؤمنين باليسارية، بل حتى الديمقراطيين، إن الولايات المتحدة الأمريكية تملك رفاهية اتخاذ موقف منفرد أحياناً وفق مصالحها، وإن ظل ذلك بالنسبة إلى هذا الفريق انحرافاً عن الأصل، بعبارة أخرى، كان الوضع في عهد (كلينتون) بمثابة أحادية انتقائية تمارس عند اللزوم، بينما يظل الاهتمام بالعمل الدولي المتعدد الأطراف هو الأصل، وتمت ممارسته حتى في قضايا أولتها الإدارة أهمية قصوى ورفعتها إلى مصاف قضايا الأمن القومي مثل التجارة الدولية والبيئة، وهكذا فإن الجديد في الذي أتت له إدارة بوش السابقة، وأوباما الحالية، لم يكن في الواقع اختراع الأحادية في العمل الدولي، وإنما كان تحويلها على القاعدة لا الاستثناء، بناءً على العداء للتعددية من حيث المبدأ، إن فريق المحافظين الجدد الذي هيمن على صنع القرار السياسي الأمريكي في عهد بوش، وأوباما، له موقف مبدئي مناهض للعمل الجماعي، صحيح أنه تيار يرفض الانعزالية، إلا أنه لا يثق في إمكانية تحقيق المصلحة الأمريكية عبر العمل الدولي المتعدد الأطراف، أو من خلال التحالفات، بل إن لهذا الفريق موقفاً معادياً لليبرالية الدولية من حيث المبدأ، فهي من وجهة نظرهم تناقض حقيقة العلاقات الدولية التي تقوم عندهم على القوة وليس المساواة بين الدول، ومن ثم وجدوا فيها إهداراً للمصالح الأمريكية، وعلى هذا الأساس لم تفلت حتى الأمم المتحدة من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وسببه اختفاء الاتحاد السوفييتي مما أتاح لأمريكا القيام بدور قيادي عالمي وبخاصة على صعيد منظمة الأمم المتحدة وقد مر هذا الدور بمرحلتين مميزتين .‏

المرحلة الأولى: تميزت بخضوع الأمم المتحدة لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما كان الاتحاد السوفييتي يشاركها في هذه الهيمنة، وقد كان مجلس الأمن أكثر أجهزة منظمة الأمم المتحدة تعبيراً عن هذه الحقيقة، حيث أصبحت قراراته تعبيراً موضوعياً عن المصالح والأهداف الأمريكية، وهذا ما تجلى بوضوح في سياسات ضبط التسلح عن طريق تحديد أو نزع السلاح إذ استهدفت السياسة الأمريكية في هذا المجال الحد من تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دول العالم الثالث، وإجبار الدول على التخلص من نوعيات وكميات معينة من الأسلحة والمعدات الموجودة في الخدمة الفعلية.‏

المرحلة الثانية : في الدور القيادي الأمريكي، فقد بدأت في النصف الثاني من سنة 1990، بعد دخول القوات العراقية إلى الكويت، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز الأمم المتحدة في حالة تهديد مصالحها الأساسية لتستخدم ما تراه ضرورياً للحفاظ على هذه المصالح بما في ذلك استخدام قواتها العسكرية من دون اللجوء إلى الأمم المتحدة، أو حصولها على تفويض من مجلس الأمن، ومن أمثلة ذلك، الضربات العسكرية ضد العراق، وبذلك لجأت هذه الدولة إلى تخطي وتجاوز مجلس الأمن لتفادي المعارضة، واستعمال حق الفيتو على إدارتها للأزمات الدولية، مما عملت على تهميش دور الأمم المتحدة وإنهاء مهمتها والكل يتذكر أزمة التسعينات المالية التي كانت للولايات المتحدة تجاه المنظمة، وهي أزمة جعلت القانون الدولي يعيش في منتصف التسعينات معادلة صعبة الفهم، تتمثل في سلوك منظمة الأمم المتحدة كدولة ضد منظمة الأمم المتحدة، قاد إلى إفراغ المنظمة من محتواها، فكان من نتائجه تعليق واحتجاز القانون الدولي على علته، حيث إن العلاقات الدولية أصبحت تشهد نوعاً من الفوضى والسكوت المطبق واللامبالاة القاتلة والكيل بمكيالين إزاء العديد من بؤر التوتر في العالم، وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل الأمم المتحدة على تجاوز القانون الدولي القائم حالياً على النحو الذي يطلق يدها في التعامل مع هذه الدول من خلال استخدام للقوة المسلحة لا تحده القيود التي ينطوي عليها ميثاق الأمم المتحدة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية طورت استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي عقب أحداث 11/9 سبتمبر وحربها وغزوها للعراق واحتلاله، ومن ثم الحرب ضد ليبيا، وهذا ما ذكره (أوباما) في مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً، وكان الدفاع الشرعي الوقائي أو الضربات العسكرية الاستباقية أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستباقية ...‏

فهل تقف أوربا خاضعة لسياسة الهيمنة الأمريكية وخلق الأزمات الدولية...؟‏

 أكاديمي وكاتب عراقي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية