تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صراع الإرادات... بين العمق والأفق

شؤون سياسية
الثلاثاء 5-3-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

ينتابنا هذا الشعور المزدوج عند كل فاصلة في الإرهاب القائم أن نسترد ذاتنا من قلب العاصفة والهمجية حتى لاتجرفها هذه الممارسات الإرهابية وتطرحها على ضفاف الطرق

أو في تجاويف التأويلات والاحتمالات المتكاثرة يوماً بعد يوم وأن نعيد بناء وعينا لما يحدث منعاً من الوقوع في لوثة الفراغ أو مطب الإحباط، إننا عبر هذا الشعور المزدوج نعيش أخطر أزمة يمر بها الإنسان السوري والعربي الآن ويجب أن نعترف بأننا انجذبنا إلى نقطتين وغبنا عن نقطتين.‏

انجذبنا إلى نقطة اللحظة الراهنة لسنوات طويلة وصرنا ندور في فلكها الضيق دون أن ندقق فيما هو محتمل بالظن أو اليقين من عواصف وهيجانات وهمجيات، واللحظة الراهنة ضرورية لأنها محطة التفاعل بين الإنسان والحدث ولكنها خطرة إذا ما ابتلعتنا وأحاطتنا بشرانقها اللزجة بحيث نتغاضى عما كان ولانعطي أهمية لما يجب أن يكون، إننا بذلك فقدنا إمكانية التقويم وإمكانية الترصد لما سوف يأتي، وانجذبناإلى نقطة ثانية هي أن الآخر وقد يكون مستعمراً أو ثقافة أوتياراً دينياً أو سياسياً.‏

هذا الآخرسوف يُخبرنا عمّا سيحمله إلينا بعد حين وانتظرنا لكن الآخر الرديء والصدئ، أعني العدو الأساسي لنا كان يتربص بنا ويراكم خطواته إلينا وكان يخدعنا في مناطق كثيرة ثم ينقض علينا كما لو أننا مجرد فريسة لاتشعر بماحولها، لعل ذلك ماأوقعنا في المفاجأة والقاعدة تقول لاتوجد مفاجآت في الحياة ولكن هناك على الدوام بشرٌ يقعون في المفاجأة بسبب من غيابهم عن ذاتهم وعن توارد التيارات من تجارب الماضي وعن إيقاع القادم بخطاه الثقيلة ولكنها القاتلة، أما النقطتان اللتان غابتا عنا فالأولى فيهما تتمثل في أن معاييرنا كانت ذاتية أي علينا وفينا، في حين كان يجب أن تكون المعايير واسعة المدى بعيدة الأفق تتصل بالقوى المعادية وتتحرك على خط المستقبل إلى عشرات السنوات، وهذه النقطة تلح عليها طبيعة العالم المعاصر من حيث استيطان الهمجية فيه وسيادة التغول عليه وفتح الفرصة أمام كل أنواع الاستعمار والاستثمار السياسي والاقتصادي لكي تتحرك إلينا عبر اللحظة التي تختارها هي وليس اللحظة التي نختارها نحن، إن المتلازمة واضحة في هذه النقطة فإذا كان العالم فينا فلابد أن نكون نحن في عمق هذا العالم والنقطة الثانية تجمعت في هذا الأفق الكتيم والذي جعلنا نرى في المستقبل مجرد احتمالات ونرى في الخطر مجرد توقعات نعالجها في حينها، أي أننا غبنا عن حقيقة ذاتنا التي تكونت ونمت وصارت مدخلاً ومخرجاً لكل المشاريع الاستعمارية الخارجية تجاوزنا حقيقة موقفنا بمعالمه الكبرى والهامة وبما تعنيه من تأثيرات على القوى العالمية جميعها اعتقاداً منا أن مالدينا يكفينا، على الطرف الآخر من الحياة كانت قوى الشر بكل تفاصيلها الاستعمارية والرجعية والطبقية تتلطى وتنصب الشراك إلى لحظة يصبح فيها الأمر بمستوى المفاجأة الفاجعة، وهذا مايدعونا لكي نستطلع آفاق العدوان بقواه وأسلحته الراهنة وتفترض المنهجية في رصد الظواهر الكبرى في تاريخ البشر أن تجري عملية ربط الفروع بأصولها والمظاهر بجذورها والسلوكيات الشاذة بمصادرها الفكرية، والتطبيقات القائمة على الأرض وبين البشر بمصادرها الأساس في اتجاهات الفكر والثقافة والمصالح الاقتصادية المتحركة.‏

وبصورة مجملة فإننا نؤسس في هذا الظرف عبر الحدث السوري لعنوانين هامين في موضوع الإرهاب، الأول منهماهو حقيقة الإرهاب بمضمونه ونتائجه وأهدافه على الأرض وبين البشر وهذه خصائص تميز بها الإرهاب ولايجوز عزلها أو فصلها بطريقة قسرية أو مبتسرة عن العنوان الثاني للإرهاب وهو القائم على ثقافة الإرهاب وهذا عنوان يجب الاعتراف به ويجب استحضاره بصورة مستمرة في مناقشة ظاهرة الإرهاب كما هو الحال في الأزمة السورية لقد جرت العادة حتى هذه اللحظة أن نطارد الإرهاب من خلال مظاهره والآثام التي يُنتجها ومتابعة الإرهاب من لحظة مابعد حدوثه لعلنا ندرك الآن وبسبب هذه الآلية المنقوصة في التعامل مع الإرهاب أن الظاهرة الإرهابية استقرت على كونها مادة إخبارية إعلامية يتيح للمتابع الرؤية وتقدم له لحظة الاندهاش ولكن سرعان ما يمتص الذهن الشعبي آثام الإرهاب وسرعان ما يستعد الإرهاب ذاته لإنتاج مسلسل جديد في دراما الوجود البشري عبر القتل والذبح ونشر الرعب وتدمير الإنسان وما يتصل بالإنسان.‏

إننا بحاجة عضوية طبيعية الى أن نعطي الأولوية في تقويم ظاهرة الإرهاب للخصائص المرتبطة به والمنوط بها وللثقافة التي يتجذر فيها الإرهاب ويحسن إعادة استثمارها كمادة حياتية بغطاءات وذرائع سياسية أو اجتماعية أو طائفية، ألا يحق لنا أن ندرك الآن بأن الإرهاب هو أخطر الظواهر البشرية سلبية وأكثرها تهديداً للوجود الحضاري للفرد والمجموع،ونلاحظ مع هذا نسقاًمن التزوير وقلب الحقائق يكاد يعادل خصائص وثقافة الإرهاب نفسه وبصورة مباشرة نرى أن عملية التزوير عبر إعادة التحليل والتركيب ومن خلال ما تقدمه وسائل الاتصال تكنولوجياً وفكرياً هذه العملية القاتلة والرديئة صارت هي العنوان الأكبر والأهم في الإرهاب نفسه، وكأن المنهج الجديد لا يكتفي بالتستر على الإرهاب فحسب أو بإجراء مونتاج على صوره ومظاهره المرعبة بل انتقل إلى مرحلة هي قلب الحقائق ووضع النقيض مكان النقيض الآخر حتى بدا أن كثيراً من قطاعات البشر ضلت رؤيتها في تحديد انتماء الجريمة للمجرم وانتساب القتل للقاتل وكم هي مؤلمة هذه الحالة حينما يتلاعب المستعمر الخارجي وأذرعته الداخلية بهذه النقطة الحساسة بحيث يتحول القتيل إلى قاتل والمظلوم إلى ظالم، وعندها يتصور الآخرون أن حقيقة الإرهاب قد تم التستر عليها وجرت حالة تغطيتها ولاسيما من خلال خيارات لم تكن في الحسبان مثل أماكن تجمع المعذبين في الأرض واللاهثين وراء الرغيف والباحثين عن مأوى يقيهم لسع البرد وجنون الحر ومثل هذا الاختيار المفعم بالحقد والحقارة حينما ذهب المتآمرون في الإرهاب إلى درجة سعوا فيها لزج مخيمات الفلسطينيين ومنها اليرموك في أتون هذا الصراع وهذا الاستثمار المتدني هو دليل آخر على خصائص الإرهاب والثقافة الحاضنة له والمدى الذي يسعى إليه الإرهاب حيث لا موقع ولا زمان إلاّ ويمكن استخدامه في الإرهاب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية