ومحاطاً بمستشاريه العسكريين كان الرجل الصقري يقف وسط المنصة متحدثاً بضرورة التأكيد على الاستخبارات ومكافحة الإرهاب وحرب الانترنت من دون التضحية بتفوق أميركا أمام أعدائها العالميين.
وهذا يعني كذلك أنه سيتم التأكيد على التدمير، زعزعة الاستقرار، القتل بطائرات بلا ربان، واغتيالات مستهدفة، وإرهاب الدولة العالمي والحروب الدائمة. بكلمة أخرى ، تم إبراز التكتيكات الجديدة والقديمة، والاستراتيجيات لم تتغير وكذلك الأهداف الامبريالية. ولا تزال الحرب الدائمة سياسة، وسينتشر القتل والتدمير بتقنيات عالية لاترحم .
وبذلك سيتوسع مذهب بوش الذي وضحته الحروب العالمية الاستباقية. وفي خطاب عام 2003 قال ديك شيني: ( ان كان هناك من أحد في العالم اليوم يشك في جدية مذهب بوش ، فإني أحث هذا الإنسان على أخذ مصير طالبان في أفغانستان و حكومة صدام حسين في العراق بعين الاعتبار).أما بوش فكان أكثر إيجازا إذ قال: (أنت إما معنا أو ضدنا). فالحياد ليس خياراً ولا المساواة و العدالة و حكم المبادئ القانونية و القيم الديمقراطية و السلام.
ومؤيدو أوباما يعتقدون أنه مختلف، وفي الواقع لقد تجاوز أسوأ ما فعل بوش في الداخل والخارج. فقد نسب إلى أميركا حق مواجهة حكومات مستقلة بشراسة وإحلال أخرى عميلة مكانها، واستهداف المنشقين في الداخل من دون شفقة.
عام 2006 أقرت استراتيجية الأمن القومي ثانية حق أميركا الوقائي في مواجهة تهديدات مزعومة. وبذلك أكدت على الحرب الاستباقية التي كشف النقاب عنها أول مرة عام 2002.و في ذاك الزمن بررت الحرب على العراق بالقول: (أميركا لن تستبعد استخدام القوة قبل وقوع الهجمات، و حتى إذا كان الشك لا يزال يحوم حول زمان ومكان هجمات العدو ، ولإحباط أو منع هكذا أفعال عدائية من قبل خصومنا، ستقوم الولايات المتحدة، عند الضرورة بالتصرف مسبقا كممارسة لحقنا المتأصل في الدفاع عن النفس)
و لكن لم يتم التطرق إلى القانون الدولي وقانون الولايات المتحدة اللذين يتطلبان أدلة واضحة على هجمات وشيكة أو مخططة، و مع فقدان هكذا أدلة تغدو الحرب الوقائية ، أو بكلمة أخرى محاربة دول غير عدائية، أمراً غير قانوني.
هاجم بوش أفغانستان والعراق،أما أوباما فانه شن حروبا عالمية سرا ًوعلانية، وحتى حروبا محلية. وفي الخارج تشكل سورية وإيران هدفين أساسيين، وإستراتيجية الأمن القومي التي وضعها بوش عام 2006 قد سلطت الضوء على إيران فقالت: (حكومتها ترعى الإرهاب، وتهدد إسرائيل وتسعى لعرقلة السلام في الشرق الأوسط وتعطيل الديمقراطية في العراق، وتنكر على شعبها طموحه للحرية. والمسألة النووية والشؤون الأخرى يمكن أن تحل بشكل أساسي إذا اتخذت حكومة إيران قراراً استراتيجياً لتغيير هذه السياسيات، وجعل نظامها السياسي منفتحا ومنح الحرية لشعبها. وهذا هو الهدف النهائي لسياسة الولايات المتحدة الأميركية).
و لكن في الحقيقة القضية هي تغيير النظام، والسيطرة على نفط وغاز إيران و إعادة رسم الشرق الأوسط ، و مواصلة السيطرة الإقليمية حتى حدود الصين وروسيا.
لقد وجه بوش حروب القرن الواحد و العشرين.واستمرت تحت حكم اوباما وكانت عبارة عن تكتيكات شملت خلق حالة عدم استقرار و فوضى و عنف عبر المنطقة لتبرير التدخل الأميركي.و في خطاب أمام مؤتمر الديمقراطية المباشرة الثامن عشر في استراليا، حذر بروفيسور القانون فرانسيس بويل من الهجوم على إيران و لاسيما بالأسلحة النووية و قال : (لقد قامت أميركا بأفعال عدائية ضد أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وليبيا ، وأجازت لإسرائيل المسلحة و المجهزة والمزودة بأسلحة مدمرة ارتكاب إبادة جماعية واضحة ضد لبنان و فلسطين.
إن الحرب الاستباقية غير شرعية و كذلك حال الحرب الوقائية و قد أشارت سياسات بوش إليهما. و يجب أن يقوم اوباما بإلغائهما رسميا.و يسمح فقط بالدفاع عن النفس و هو أمر لا ينطبق على الحروب الأميركية التي تندرج ضمن الجرائم الدولية بسبب التخطيط و التحضير و التآمر لأجل ارتكاب جرائم ضد السلام والإنسانية و جرائم حرب و إبادات جماعية.
إضافة لذلك فإن دراسة واختبار وإنتاج وتصنيع ونقل ونشر وتنصيب وتخرين وبيع و شراء الأسلحة النووية والتهديد باستخدامها هي جرائم حرب وفقا لمبادئ القانون الدولي.و أوباما وأناسه سيدفعون تجاه حرب عالمية ثالثة ضد إيران هدد بها بوش علنا).
و في الخامس من كانون الثاني الجاري ورد في افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز:
(تعكس استراتيجية اوباما في الدفاع رؤية واقعية لطريقة قيام هذه الدولة بتنظيم و نشر قواتها المسلحة في القرن الواحد و العشرين، إنها تظهر استخداما أذكى للقوة و أكثر تحفظا. هذا يعني جنودا أقل على الأرض، و لكنها لا تقلل من شأن حقيقة أن العالم مكان خطير جدا و تقول ببقاء الدولة مستعدة لخوض حرب أساسية على الأرض. و تتحدث بشكل مقنع عن استخدام أكبر للقوة الجوية و الاستخبارات و عمليات خاصة أو تقنيات إبداعية مثل الطائرة بلا ربان).
لم تذكر مسألة حكم القانون، و لا مسؤولية أميركا عن تعميق الخطر العالمي. فرؤية أوباما (الواقعية) تتعلق بالتقنيات العالية غير الشرعية للقتل والتدمير. أوباما يريد المزيد من التأكيد على (احتواء) إيران الأكثر حزما، أما في آسيا فانه يريد تهدئة طموحات الصين و مواجهتها.
وبعكس أميركا لم تشن إيران هجوما على دولة أخرى منذ مائتي سنة ولا تهدد الآن أي دولة. وكذلك حال الصين ، و يؤكد القانون الدولي على مبادئ السيادة وتقرير المصير.و كل الدول حرة في اختيار أنظمتها السياسية و يحظر على الآخرين التدخل في شؤونها الداخلية سواء أكانت ديمقراطية أو فاشية أو أي شيء بينهما.و قد اعتبرت أميركا هذا التدخل تفوقا و ساندتها بذلك صحيفة نيويورك تايمز إذ قالت:(نفهم أهمية إيصال رسالة مهمة مفادها أن هذه الدولة لن تتنازل عن شيء لإيران أو الصين أو أي دولة). بكلمة أخرى تصادق الصحيفة استراتيجيا على استهداف أي دولة تتحدى سيطرة الولايات المتحدة بما في ذلك حرب وقائية. وبالتصفيق لكل حروب الولايات المتحدة فإنهم يتجاهلون حكم القانون و كل القضايا المتعلقة بالصواب و الخطأ.
في تشرين الثاني الماضي, ذكرت صحيفة هآرتس أن واشنطن و إسرائيل ستقومان بأكبر و أهم مناورة عسكرية مشتركة ، و ستتضمن المناورة محاكاة صواريخ الدفاع البالستية و حروب مدن و مواجهة الإرهاب. والأكثر من ذلك، وبموجب إشعار من الكونغرس، ستحصل إسرائيل على ضمان بتسهيل عملية بيع أو شراء السلاح.و في الواقع تحصل إسرائيل على كل ما تريده.و ستستمر واشنطن بدفع المليارات سنويا لإسرائيل رغم تحديات الميزانية.و قد نشرت قوات أميركية في إسرائيل لفترة غير محددة. و استهداف إيران أمر وارد بغض النظر عن الأخطار الكارثية.
و كذلك سورية معرضة للخطر، فمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جفري فيلتمان دعا في القاهرة إلى الضغط على مراقبي الجامعة العربية ليكتبوا في تقريرهم ما تود واشنطن سماعه. وعوضا عن الحديث عن عنف النظام السوري قال محمد أحمد مصطفى الدابي، رئيس اللجنة، أن الأوضاع مطمئنة مع تعاون الحكومة السورية.و لكن ما تريده واشنطن مغاير تماما لأجل تبرير تدخل أكبر وهي تسعى لاتخاذ إجراء من قبل مجلس الأمن غير أن روسيا والصين ستعرقلان أي تدخل خارجي.و قد اتهم جهاد مقدسي ، المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية واشنطن بالتدخل الفاضح بعمل الجامعة العربية و العمل لأجل تدويل غير مبرر للوضع في سورية.
و منذ الشتاء الماضي قام متمردون مدعومون من الخارج بتخريب سورية وزعزعة استقرارها بعنف. و متطرفو ما يسمى الجيش السوري الحر و الميليشات الأخرى هم قوات شبه عسكرية بتفويض غربي.
و بالمقابل ترفض الشخصيات المعارضة المعتدلة التدخل الخارجي لأنهم يسعون إلى احترام سيادة سورية، غير أن واشنطن و إسرائيل وحلفاء الناتو و دول المنطقة المعادية للرئيس الأسد تحمل أفكارا أخرى و هنا تكمن المشكلة الأساسية.