مئة وخمسون عاماً مضت, ولم نر قط شخصاً بلغ هذا العمر ولم يكبر, ومع ذلك فقد كانت تلك الأعوام كافية لأليس التي قادت العشرات من الأجيال في بلاد العجائب لتحدث انقلاباً عميقاً وفي الأدب الموجه للأطفال, في الأدب بشكل عام, في عالم الرسوم التوضيحية, في الفنون التشكيلية وفي السينما. وتعتبر أليس إحدى الشخصيات التي انتشرت على نطاق واسع خلال حياة الكاتب. حيث ابتكروا من خلال شخصية أليس خارج إطار الأدب حكايات وألعاب ورق, ومراسلات تبادلها الكاتب لويس كارول مع أصدقائه الأطفال. وسرعان ما تحولت إلى علب طوابع وعلب بسكويت أو لعب السبع عائلات. وسوف تستكشف هذه المعارض الثلاثة التي ستقام هذا العام, هذا العالم المترامي الأطراف والمصير الذي آلت إليه هذه الشخصية الطفولية.
ولحسن الحظ, أو ربما بسبب وجود عوائق كبيرة تجنبوا إعداد احتفال رسمي لما غدا صرحاً في الأدب العالمي, ولتكون بالتالي أشبه بأعياد لا تأخذ طابع احتفال ميلادي. وقد استبقت المعارض الثلاثة المقرر إقامتها في مدينة ليفربول البريطانية, مدينتا (رين) و (إسي ليمولينو) الفرنسيتان المولد التاريخي لهذه الشخصية بستة أشهر, والمصادف في (الرابع من تموز 1862 ) وكل معرض على حدة سيتناول جانباً معيناً من الرواية وآثارها, حيث ستعرض مدينة (رين) الرسوم التوضيحية. وسوف تعرض ليفربول الفنون التشكيلية بينما ستكون الألعاب من حصة مدينة (إسي ليمولينو). والهدف من وراء هذه المعارض هو إبراز التأثير الواسع الذي خلفته تلك الحكاية الفريدة ذات الجوانب العديدة في مخيلتنا.
لقد استطاع الكاتب لويس كارول وفي آن واحد من خلال إصداره روايتين هما (مغامرات أليس في بلاد العجائب, ورواية الجانب الآخر من المرآة وما وجدته أليس هناك) من تحرير الأدب الخاص بالأطفال من مهمة كرسوها له تتمحور حول التثقيف والإرشاد وكذلك إدخال شخصيات على الفن السردي مبنية على أساس الغموض اللغوي والمشكلات المنهجية وعكس في سرده الحيز الزمني الخاص بالأحلام, ووضع فن اللغو في قمته وكذلك فتح آفاق ابتكارات لفظية في اللغة الانكليزية دأب أدباء جاؤوا من بعده من أمثال: جيمس جويس على الغوص بها. وقد استندت هذه الثورة العامة الطموحة والمعقدة في فهمها، منذ بدايتها على الصور, التي رسمها لويس كارول بنفسه في مخطوطته ومن ثم تلك التي ابتكرها جون تينل تحت إشرافه.
ومن خلال هذا المنظور, يتعين علينا التخلي عن فكرة أنه في البداية كان هناك نص أدبي, ومن ثم جاءت الصور لتوضيحه فقط, لأن رواية أليس في بلاد العجائب لم تكن الوحيدة في ذاك العصر التي استعانت بالصور, بل كل الأعمال حينذاك كانت تتضمن صوراً توضيحية, ولا سيما عندما تكون تلك الصور مخصصة للأطفال. إلا أن مغامرات أليس وضعت أو بالأحرى نقلت الأدب إلى مفترق طرق بين الحواس البصرية والسمعية وبين المحسوس والمنطوق, مثل القلق والفكاهة. تبهر العقل الإنساني وتخرق القصة الأطياف كافة مثل كسارة البندق. ولكن كيف ولماذا؟
أفضل جواب على هذا السؤال يأتي من المعرض المثير للإعجاب المقام في مدينة ليفربول البريطانية بسبب نوعية الأعمال الرائعة المعروضة ومساحة الطرح والمهارة في الوسائل المطروحةوالمستخدمة, بدءاً من اللوحات التمهيدية التي حضرت بأسماء الكاتب المستعارة. حيث يتناول المعرض بشكل أدق الكاتب بالصورة, أي صوره التي التقطها للأطفال وصور العائلة والمناظر الطبيعية التي تشهد على جهد يصبو نحو المثل العليا أمام خيال جامح, التقطها الفنانون السرياليون, وتلاهم في النهج الفنان ماكس ارنست ودالي والعديد من الفنانين التي تبرز لوحاتهم حكاية الفتاة الصغيرة أليس. وبعيداً عن السرد البسيط, يظهر تأثير كارول عبر المتغيرات المعاصرة في ذلك الوقت على الزمن أو على المرايا لدى بعض الفنانين بحيث أن لويس كارول لا يبدو مجرد كاتب وأليس مجرد شخصية لديه, بل إن هذا الثنائي يجسد سؤالاً واسعاً حول بناء الهوية وهو: كيف أعرف من أنا ولكم من الوقت؟
ويكمل معرض مكتبة مدينة رين البسيط هذه المقاربة الفلسفية من خلال العديد من القصص, الأول يتخذ نظاماً مكتبياً حيث ساهمت الروايتان منذ الطبعة الأولى الصادرة عام 1865 إلى المطبوعات الأخيرة في توسع حقل النشر. تم نقل الرواية إلى المسرح عام 1876 وكذلك تبسيطها كعرض مسرحي إلى جميع الأعمار الطفولية في عام 1889. كما ونقلت السينما الرواية في العديد من الأفلام منذ عام 1903 ولا زالت الرواية لغاية الآن منهلاً للعديد منهم, بالإضافة إلى إطلاق اسم أليس على العديد من المنتوجات والألعاب, منها ما اخترعه الكاتب بنفسه, ولها مكان في المعارض الحالية.