ونقلت قناة روسيا اليوم على موقعها الالكتروني عن تشوركين قوله للصحفيين بعد الاجتماع الذي عقد في مقر الامم المتحدة بنيويورك ان الوفد الروسي لا يعتبر هذا المشروع أساسا للتوصل إلى وفاق ولكن هذا لايعني ان موسكو ترفض بحث مشروع القرار الجديد مع الدول التي وضعته مشيرا إلى أن مشروع القرار الروسي بشأن سورية مازال على طاولة مجلس الامن وهو يشكل أساسا جيدا للتوصل إلى اجماع بين أعضاء المجلس.
واعتبر تشوركين أن مشروع القرار الاوروبي العربي يتضمن بعض العناصر غير المقبولة بالنسبة لروسيا مشددا على ان بلاده ترى انه من الاهم في الوقت الراهن تشجيع ودعم بعثة المراقبين العرب في سورية وتركيز كافة الجهود على بدء الحوار السياسي.
وأوضح تشوركين أنه لا يجوز ان تستخدم الجامعة العربية مجلس الامن كآلية لفرض حلول معينة على دول بما فيها سورية معربا عن خيبة أمله من ان رئيس بعثة المراقبين العرب محمد مصطفى الدابي لن يقدم في مجلس الامن الاسبوع القادم تقرير البعثة بشأن سورية والذي يعطي صورة موضوعية عما يجري فيها.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أعلن أول امس أن بلاده لا ترى مغزى في اجراء تصويت سريع على مشروع القرار الغربي العربي المقدم إلى مجلس الامن حول سورية مشيرا إلى أن الدول التي قدمت مشروع القرار يمكنها أن تطالب بتصويت فوري ولكن هذا سيكون مشروعا فاشلا سلفا لان التعبير عن رأي روسيا ورد سلفا وكذلك عن رأي شركائها الصينيين.
وأوضح غاتيلوف أن أي مشروع قرار لمجلس الامن يجب أن يتضمن رسائل مبدئية معينة وهي دعوة جميع الاطراف وليس الحكومة السورية فقط لوقف العنف وكذلك الدعوة إلى البدء بحوار سياسي دون شروط مسبقة لحل القضايا القائمة في سورية حاليا.
محللون: الموقف الروسي يضع حداً للرهانــــات المشــككة
في غضون ذلك فإن الاعتراض الروسي لصيغة مشروع القرار الغربي العربي حول سورية نقل الجدل الدائر في مجلس الامن إلى مرحلة متقدمة تطرح من جهة الاسئلة حول دور المجلس في القضايا الدولية تبعده عن محاولات الغرب لتكريسه كسلطة تتجاوز في صلاحياتها سيادة الدول الوطنية وتملي عليها الاوامر وتضع حدا للرهانات المشككة بتغيير موقف روسيا تجاه سورية من جهة أخرى.
وانطلاقا من وصف تشوركين لمشروع القرار الاوروبي العربي بأنه خطوة خاطئة واجراء مدمر بالنسبة لسورية يهدف لفرض نتيجة مسبقة للحوار السياسي الذي لم يبدأ بعد يتضح أن روسيا تجاوزت مناقشة مشروع القرار إلى الغايات التي يريد الوصول اليها وطرح الاسئلة حول دور المجلس تاركة الباب مفتوحا للحوار للوصول إلى اجماع دولي يأخذ بعين الاعتبار جميع عناصر الازمة.
ولا يخفى على المتابعين للشأن الدولي أن الولايات المتحدة سلبت عبر السنوات الماضية الارادات السياسية لدول اعضاء في المنظمة الدولية وتجلى ذلك بوضوح في انقياد دول الخليج السلس للغرب واتخاذ مواقف تتعارض تماما مع مصلحة دول المنطقة اذ تعمل السعودية وقطر بحسب الصحفي في وكالة رويترز أندرو هاموند على تسهيل النيل من سورية وغيرها من الدول التي تقف ضد الهيمنة الامريكية متذرعة بمظلة عربية مؤكدا أن ما تتعرض له سورية ليس هجمة عربية بل خليجية بقيادة سعودية قطرية يتم فيها تبادل الادوار بحسب الظروف.
واعتبر هاموند أن الامور في سورية غير ما يتصوره هؤلاء مضيفا بذلك دليلا جديدا إلى مجموعة الادلة التي تؤكد دور دول الخليج في تسليح المجموعات الارهابية في سورية ودعمها اعلاميا وسياسيا وتوفير الملاذات الامنة لها.
ويرى مراقبون ان ما تشهده اروقة مجلس الامن اليوم ستكون له نتائج مهمة في المرحلة القادمة حيث ان نجاح روسيا في فرض رؤيتها وابعاد خطر التدخل الغربي في شؤون الدول ذات السيادة سيشكل نموذجا جديدا لم يألفه العمل الدولي منذ سنوات يعطي للنقاش حول اعادة النظر في اسلوب عمل مجلس الامن دفعا جديدا تفرضه التحولات الكبرى في موازين القوى الدولية سياسيا واقتصاديا.
وبالعودة إلى نتائج عمل الدبلوماسية الروسية في العام الماضي الذي قدمه وزير الخارجية سيرغي لافروف مؤخرا يمكن فهم طبيعة المعركة الدبلوماسية الدائرة حاليا في مجلس الامن اذ ان روسيا حددت معايير واضحة لحل الازمات الدولية تقوم على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول معتبرة اياه خطا احمر والاعتراض على الخطوات التي قد يتخذها أي طرف بشكل أحادي يتعارض مع مصالح الاطراف الأخرى وتعزيز الحوار والاستفادة من التجربة الكارثية للتدخل العسكري في ليبيا.
ويرى دبلوماسيون سابقون ومحللون روس من بينهم يوري زينين كبير الباحثين في جامعة العلاقات الدولية في موسكو وفيتشسلاف ماتوزوف الكاتب والمحلل السياسي الروسي وأنهار كوتشنيفا الخبيرة الروسية في الدراسات الشرقية ان جميع المراهنات على موقف روسي جديد تجاه الازمة السورية مصيرها الفشل كون روسيا تتعامل مع هذا الملف على انه بوابة ستكرس آلية جديدة لتعاطي مجلس الامن مع الازمات الدولية تأخذ بعين الاعتبار حق الشعوب بتقرير مصيرها وعدم القفز على الحقائق الموجودة على الارض واعتماد الحوار اسلوبا للحل وعدم فرض شروط مسبقة مع مراعاة مصالح الاطراف جميعها بشكل لا يضر بالسلم والامن الدوليين.
وفي هذا السياق رأت وكالة الصحافة الفرنسية في تحليل لها ان مشروع القرار الذي قدمته دول عربية والمجموعة الاوروبية والولايات المتحدة سيصطدم بالخطوط الحمراء التي وضعتها روسيا والتي تعارض أي اشارة إلى عقوبات او فرض اي نوع من الحظر على الاسلحة والحكم مسبقا على نتيجة اي حوار سياسي في سورية.
وبالمحصلة يعتبر كثير من المراقبين أن اصرار روسيا على رؤيتها لآلية الحل في سورية يعكس حقيقة الاوضاع على الساحة الدولية حيث يصارع الغرب للاحتفاظ بهيمنته على مجلس الامن في حين تبرز روسيا وقوى أخرى كالصين والبرازيل والهند كقوى عالمية معاصرة تؤكد حضورها ورؤيتها للمشهد الدولي لتتأكد مجددا اهمية سورية الاستراتيجية التي تحسم على أبوابها المعارك الكبرى متجاوزة التكتيكات والمصالح المؤقتة.