تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العزف الروسي .. وجها لوجه مع المايسترو

شؤون سياسية
الأربعاء 21/2/2007
حسن حسن

مع زيارة كل مسؤول روسي كبير للمنطقة يتجدد الحديث عن دور روسي فاعل في منطقة الشرق الأوسط,فقد أثارت زيارة الرئىس

الروسي فلاديمير بوتين الحالية للمنطقة شجون وأمنيات كثير من الأوساط العربية لتنشيط دور موسكو لضبط الخلل الحاصل في موازين القوى والتي تميل دائما لصالح( اسرائيل) على حساب الدول العربية.‏

وفي ظل اختلاط الحقائق بالأمنيات أصبح الحنين لموسكو يلقى رواجا كبيرا عندنا باعتباره قد يساعد على اخراجنا من الحسابات المعقدة التي تفرضها الولايات المتحدة على المنطقة.‏

والواقع أن العبرة ليست بالزيارات أو اللقاءات أو التصريحات فمعادلات القوى وتقديرات المصالح الاستراتيجية هي التي ترسم معالم الصورة وتحدد الطريق الذي يسير فيه هذا الطرف أو ذاك,ويمكن التوقف عند عدد من المحددات الرئيسية التي تكشف لنا المزيد من مكونات المشهد الحالي.‏

أولا-وقفت روسيا موقفا إيجابيا من القضية الفلسطينية وحاولت أن يكون لها دور في عدد من مفاصله لذلك فدعم موسكو لخريطة الطريق ودورها في اللجنة الرباعية الدولية ووقوفها ضد أعمال العنف الأسرائيلي ومسألة اغتيال القيادات الوطنية ودعم الدولة الفلسطينية كلها مواقف تشكل قاعدة للانطلاق والتأثير والفعل,ما يغير في التوجهات السلبية التي سلكتها القضية الفلسطينية من جراء العدوان الاسرائيلي المتواصل وفي أدوات التحرك العربي يجب خلق أجواء تساهم في حض موسكو على المزيد من الاهتمام بالقضايا العربية من خلال وسيلتين:‏

الأولى,العمل على تكوين شبكة متينة من المصالح الاقتصادية المتبادلة خاصة أن هناك عددا من الشركات الروسية النشطة في مجال الثروة المعدنية.‏

والثانية,التقليل من مساحة الحركة في اتجاه الولايات المتحدة واعطاء فرصة للدبلوماسية العربية لكي تنشط على الساحة الروسية.‏

ثانيا-اتخذت روسيا موقفا مناهضا للحرب الأمريكية على العراق وأعلنت دعمها لوحدة أراضيه مع تسليم السلطة بسيادة كاملة لقيادة عراقية وطنية وشجعت ولا تزال على دور للأمم المتحدة.....إلى جانب توقعات باحتمال أن تواجه الولايات المتحدة مأزقا في العراق على أثره يمكن أن تتغير كثير من الحسابات الاستراتيجية,ما يسمح في النهاية بالتأثير على مكانة واشنطن في النظامين الاقليمي والدولي واعطاء فرصة لموسكو للتحرك بشيء من الديناميكية,تتوافق وطموحاتها المستقبلية,ومن الواضح أن تداعيات المشهد الراهن تميل لتعزيز هذا الاستنتاج.‏

ثالثا-يتسم الموقف الروسي من برنامج التسلح النووي الايراني بالوضوح,فقد دعمت موسكو هذا البرنامج وقدمت مساعداتها المادية والتقنية لإتمامه.‏

إن الوضع الآخذ بالتشكل في المنطقة اليوم هو بالنسبة لموسكو وضع غير عادي اطلاقا,ذلك أن وقائع جيو-سياسية جديدة يمكن أن تخلق في هذه المنطقة دون مشاركتها ودون مراعاة مصالحها بالشكل المطلوب لهذا فإن روسيا لا يمكن أن تسمح لنفسها أن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يجري هناك من أحداث.‏

فالدور الفعال للسياسة الخارجية الروسية في هذه المنطقة قادر على توفير مناخ إيجابي في تحقيق توازن في القوى والمصالح وفي المساعدة على إيجاد حل ناجح للمشكلات الاقليمية الحادة لاسيما وأن موقف موسكو وموقف غالبية الدول العربية من المسائل المفتاحية الخاصة بتطور الوضع السياسي في المنطقة متطابقا عموما,وتبقى أهمية الشرق الأوسط كواحد من المصادر الأساسية للطاقة وكعقدة مواصلات عالمية مهمة وسوق لتصريف المنتجات قائمة بالنسبة لروسيا.‏

في ظل هذا التطور المتسارع لمنظومة العلاقات الدولية تسير السياسة الخارجية الروسية بما يتوافق والمبادئ الأساسية التالية:التتابع,التحديث,الموازنة بين المراد والممكن,وذلك بهدف تأمين أفضل الشروط لتحقيق الاصلاحات الداخلية.‏

لقد كانت الدول العربية بدءا من ستينيات القرن الماضي,الشريك التجاري والاقتصادي الرئيسي للاتحاد السوفييتي السابق من بين الدول النامية بيد أن العلاقات الثنائية لم تسر دائما في خط تصاعدي,وقد كانت هناك مراحل هبوط وانحسار فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة عانت روسيا الجديدة صعابا داخلية كبيرة ما جعل الشق الشرق أوسطي يتراجع إلى المرتبة الثانية.‏

بالمقابل وعت الدول العربية -في ظل هذا الوضع الجيوسياسي المتغير-نفسها بشكل جديد وراحت تبحث عن موقعها في الساحة الدولية,وقد فسر بعض ممثلي الصفوة السياسية في الشرق الأوسط تخلي روسيا عن العقائدية الجامدة والايديولوجيات في سياستها الخارجية كمؤشر للبحث عن حلفاء جدد قادرين على ضمان أمنهم القومي.‏

أمام روسيا اليوم مهمة كبيرة تتمثل في إعادة تقويم واستيعاب جذرية لسياستها الخارجية في الوطن العربي والشرق الأوسط عموما بما يتناسب واحتياجات الاصلاحات الروسية الداخلية واحتياجات الدبلوماسية الروسية عموما,وبما يتناسب كذلك والغايات الحضارية.‏

ولعل انجاز هذه المهمة لا يبدو ممكنا من خلال استعادة أوتوماتيكية لبنية العلاقات السياسية والاقتصادية السابقة مع البلدان العربية بحكم أن روسيا والشرق الأوسط والعالم عموما قد تغيروا تغيرا ملموسا خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة,وضمن هذه الظروف والشروط الدولية الجيدة يجب أن تتطور العلاقات الثنائية والتعاون الاقليمي على أساس التجربة الإيجابية السابقة, لكن مع وجود فهم جديد للمصالح الروسية والعربية,وهو أمر يمكن تحقيقه إذا ما توافرت الارادة السياسية لدى الجانبين.‏

إن تجديد العلاقات مع الشركاء التقليديين في الشرق الأوسط تجديدا كاملا وتطوير التعاون مع( الأصدقاء الجدد)( المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج العربي) سيساعد في تعزيز دور روسيا في المنطقة كقوة اقتصادية وسياسية مهمة,ولا سيما أن روسيا في نظر الكثير من هذه الدول ما زالت صديقا تقليديا وشريكا اقتصاديا مربحا.‏

لكن المهمة الأساسية للسياسة الخارجية الروسية اليوم لا تكمن في تجديد العلاقات القديمة بل في البحث عن مجالات تعاون جديدة مع بلدان الشرق الأوسط.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية