نصوصها الذاهبة بانتباه الحدس واشراقاته والتباسات تفسيره, الى (الماوراء,وربما الى الماقبل) ولعل المعنى (الميتافيزيقي) هو ما ينشغل به الأدب عموماً, لكننا مع سمير الطحان.. الشاعر الغنائي والروائي, نذهب الى سيرة أخرى, السيرة الموضوعية بحسب الكاتب والتي محورها الأشخاص والأحداث التي ولدت أفكار الكاتب .
ويضيف الطحان: هنا الكاتب ثانوي والأساسيون الذين عايشوه وعايشهم, والجوهري ما جرى ويجري. تلك السيرة (الموضوعية) التي تفيض في المجمع على عمر الكاتب الأول - عمر البصر- وعمره الثاني- عمر العمى- وبينهما برزخ الشعشاع التي أبصر منها قليلاً (سنة ونيف) سنجدها - هنا- مترعة بالأحداث والشخوص .
ثمة العديد من الأبطال الذين هم برسم الذاكرة, ليأتي صاحب (العين الثالثة وأرواح تائهة القناع في الطباع وغيرها الأشد إخلاصاً لمنهجة ورؤيته وانفتاح بصيرته, بطلاً مندغماً في نسيج (لآخرين) حقاً الآخرون هم ما يشغلنا دائماً والثمن الموضوعي لما يستقل عنا نتوسله لغة وتراكيب -ومفردات وهي عند سمير الطحان متخففة أبداً من البلاغة والرطانة ما خلا بلاغة الوقائع, ونكهة السرد المغاير,وطرافة الأسلوب وتطويع المحكي الشفاهي.
لكن ما يفاجئ القارئ- حقاً - تلك العجائبية في العناوين الأصلية والفرعية والتي تبدو بعتباتها اللغوية وتفرعاتها نصوصاً أخرى شارحة وطاردة بالممكن لما قد يحدث من فجوات لتأتي أعوام الكتابة بدءاً من العام 1945 لينتهي عام 2006 بدلالتها المعرفية,ما بين المتسع من البصر والبصيرة (الشعشاع) سنقف بالعناوين المفارقة: منام الأمومة,كابوس التبادل, قرنية الأرض فروع أصلية,فصول ثابتة من حلقات متحركة, تهيؤات العقل الإنساني ,ملخصات شاملة, حلم التوازن,نقائص كاملة, سجل مجمع الجينات,أنشودة عنقاء النقاء,أو مغناته وأراجيزه النثرية, أليفته الجنين وتغريبة بني هلال ,رابوص الكل في الجزء وغيرها الكثير مما يقف بنا على التضاد وتخارج الدلالات.
بل ثقل الوقائع وقصيدة العناوين والتي تشكل بشذراتها وعلائقها اللغوية نصوصاً (مكتفية) وهي في الأغلب الأعم وعلى المستوى النحوي تراكيب بوح بقصدية الكاتب لا بقصدية النص, النص الذي يحوي متوالية الوقائع, والمركب من الأفعال والصفات والأسماء ولا سيما في أليفية الجنسين(الأبجدية) في الموازنة بين ( هي و هو) موازنة تسعى لإدراك الاختلاف والتوازن تحكمها المفارقة والتأويل,واستبطان الأبعاد المعرفية والنفسية وسواها.
وفي مجمع العمرين يذهب سمير الطحان مذهباً فلسفياً,ويحضر في اللغة والمتداول اليومي فمتخيله واقع وواقعه متخيل, بحثاً عن أنوثة الأشياء, والمرأة واللغة والكلمات يبوح في (فردوسه النثري) بنعمى البصيرة وهو يراوغ (الفقدان والنكران والخذلان باستحضار الجنة الضائعة المترامية الأطراف فوق جغرافيا الحواس, يمسرح, وينشد ويغني ويتأوه ويسرد ويحكي على ايقاع حبيبة مفقودة).
يبرع في كلياته وجزئياته ليعادل الفقد والخسارات بما تمنحه له لغة ملونة بالبيئة وفضاءاتها, وحرتقته بتورياته في المسكوت عنه,بخفاء البصر وتجلي البصيرة, ذلك الحكاء الأثير, الذي يدهشنا باختلافه ومشاكساته للمألوف ومقاربته للعجائبية في السرد واستظهاره للمحكي الشفاهي ودونما اختزال لما أنجزه بتدوين البصيرة, لم يبتعد كثيراً في السيرة الموضوعية عن السيرة الذاتية,بمعنى هل الحب أم الحرب سبب فقد الحواس لينشئ لغته (الخاصة) . بمفرداتها وجماليات العنونة فيها ?!
سمير الطحان هو أيضاً صاحب سيرة ناقصة ما لم تكتمل بالآخرين المنغمسين في تضاعيف رواية أخرى - الحياة- والذين لم تذهب بهم السخرية قدراً, بل اختياراً ولصاحب المجمع أن يتطير من الكمال النظري الى امتحان ولوجنا المجمع بمشقة ومكابدة ولذة واكتشاف في التجريب لا تنتهي وفق ما ترسمه أفق النص واحتدام الكتابة !...
***
الكتاب: مجمع العمرين- سيرة موضوعية
الكاتب : سمير الطحان
الناشر دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الاعلامية
الطبعة الأولى 2006