وطرح الاستراتيجيات التي ترسم معالم المستقبل وتهيئ الطرق لقرن أميركي ظنوا أنه سيكون الأكثر ازدهارا وقدرة على تحقيق الأهداف دون معارضة.
واذا كنا لا نريد أن نعدد في هذا الإطار عشرات الكتب التي حملت طروحات شغلت العالم لفترة من الزمن فإننا نقف عند طرح توماس فريدمان في كتابه الأحدث ( العالم مستوٍ) وقد صدرت ترجمته العربية وتوقفنا سابقا عند خطوطه العريضة ولكن ماذا عن الطرف الآخر الذي كان قطبا اختل العالم بانهياره.. ماذا يقول المنظرون الروس في هذا المجال.. كيف يرسمون ملامح القادم.. ما قراءاتهم للقرن الحادي والعشرين..
ليس مستوياً
العالم ليس مستوياًً كما رآه فريدمان وثورة المعلومات ليست الشغل الشاغل لأمم الأرض بل النزاعات والتحولات الاجتماعية هي التي ترسم أحداث ووقائع القرن فالملمح الأساس هو (التوازن الاستراتيجي المفقود).
( ألكسندر بانارين) في عنوانه السابق يرسم خارطة معقدة ويبحث تحت الرماد فيما يمكن أن يشغل الأقطاب التي يمكن أن تنشأ.
حروب ايديولوجية
يرى بانارين أن الولايات المتحدة ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي تخوض حربا عالمية ثالثة, ولو لم تكن تفعل ذلك لكانت نهاية الحرب الباردة تعني الاستقرار والرضا بنتائجها لكن الأميركيين لم يفعلوا ذلك بل قاموا بخرق غادر للشروط التي على أساسها حققت النصر.
ويبدو أن أحد الشروط الرئيسية التي يمليها المعتدي الآن على العالم هو الاتباع المطلق لتوجيهاته الايديولوجية والتقبل غير المشروط لدعايته: ( ليس شأنكم أن تفكروا بل أن تؤمنوا بتلك الأساطير التي نسوغ بها أفعالنا, الشك يعني العصيان) هذا هو في الواقع ما تقوله الدعاية الأميركية للعالم, ومع ذلك سنتجرأ ونفكر أي سننتقل إلى التحليل وهنا يبرز أمامنا في الحال سؤالان: الأول: لماذا أقدمت الولايات المتحدة على هذه المغامرة العالمية المذهلة?
الثاني: لماذا لا يقاومها العالم حتى الآن مقاومة فعلية?.
إعادة التدجين..
أحد أهم معضلات القرن الحادي والعشرين إصرار الأميركيين على أنهم المتفوقون وأنهم أصحاب المعجزة على الأرض وتقوم نظريتهم هذه على افتراض أن شعوب غير الغرب لا تستطيع منافسة الغرب بحسب معايير التقدم المعروفة الاقتصادية والعلمية- التقنية والثقافية- التنويرية ومجمل القول:
إن الغرب لم يعد بحاجة إلى ناجحين ومتميزين في مجال الحضارة من أبناء ريف العالم فهو يريد أن يحفظ لمصلحته حصرا ما لم يتم تبديده من موارده وهم القطب الأوحد الآن إعادة تربية القابلين للتربية أو تدجينهم وتفكيك تعبئتهم وحرمانهم من كل وسائل التعبير الفعال عن الذات.
عزلة أميركا قادمة
يرى بانارين كما يشاطره الرأي الكثيرون من المفكرين أن الأمركة ايديولوجيا عنصرية جديدة تحول التقدم من ملك لجميع الشعوب إلى امتياز جديد للأقلية المختارة لحتمية قواعد اخترعتها مراكز السلطة العولمية.
ولكن الاستراتيجيين الأميركيين يخطئون لأنهم يمجدون بشتى الأشكال جبروت أميركا معتمدين على تسلحها, ينسون ما تسلح به أميركا المعاصرة الأغلبية المنهوبة في ريف العالم, إنها تسلحهم بعداء متأجج للأمركة وبرغبة جامحة في إذلال وانهيار الدولة المتفوقة وكلما ازداد إخلاص الاصلاحيين المحليين المدانين سلفا من شعوبهم بفساد الضمير والحقد على أوطانهم لأميركا ازداد تلطخ اسمها بنقاط سوداء لا تزول.
إن العداء الجديد لأميركا لا يتغذى بمشاعر قومية ووطنية فقط بل بمشاعر اجتماعية ايضا يوقظها الاستقطاب الاجتماعي الجديد ويمكنه القول تمتلك معادات الأمركة قاعدة اجتماعية اوسع بكثير مما تمتكله القومية والشيوعية والأصولية والسلفية الجديدة.
رسالة الشرق إلى الغرب
ويخلص الباحث إلى القول: إن الشرق الفكري هو ملجأ العالم ومأمنه ( وهكذا ننطلق من فكرة أن بناء الحضارة الإنسانية مستقبلا على قاعدة النظام الحضاري الغربي أمر مستحيل فهذا النظام لا يبشر بإمكانية التطور المستمر وسيحتاج الغرب إلى الكثير من مخزون العتاد الزهدي- الديني الشرفي- وتناقض التاريخ الحديث هو في كون راية التنوير التي سقطت من يد الغرب يجب أن يتلقفها فقراء غير الغرب المحاصرين لأن التنوير بالمعنى الاجتماعي هو نظام بديل للعنصرية والداروينية الاجتماعية.
ويبقى السؤال:
إذا كان الأميركيون رسموا ملامح القرن الذي يسمونه بالقرن الأميركي والروسي ويرون أنه عصر حكمة الشرق ولكن أي شرق وما موقع حضارتنا وثقافتنا وماذا أعددنا في وطننا العربي الكبير لهذا القادم الذي بدأت ويلاته تظهر في وطننا أكثر من أي مكان في العالم..?
***
الكتاب: التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الحادي والعشرين.
المؤلف: الكسندر بانارين وترجمة د.فؤاد المرعي
الناشر: اتحاد الكتاب العرب 2007م