تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


(المرأة الحديدية) انحياز للقوة.. وللضعف

سينما
الأثنين 5-3-2012
رنده القاسم

في مشهد نهاية فيلم (المرأة الحديدية The Iron Lady) للمخرجة البريطانية فيليدا لويد، نرى مارغريت تاتشر العجوز تنظر نحو أفق ما،

لتنتقل الكاميرا إلى يديها فنكتشف أن كل ما تقوم به كان غسل فنجان قهوة. وفي هذه اللقطة البسيطة اختصار لمقولة الفيلم حول امرأة كانت معاركها اليومية الخفية مع عالم الرجال الذي بقي مصرا على النظر إليها كامرأة، كما أنها استعادة للحظة التي طلب منها دينيس الزواج فكان جوابها و هي تبكي (أنا أحبك كثيرا، لكني لست من تلك النسوة اللواتي تبقين جميلات و صامتات في أيدي أزواجهن و تمضين أوقاتهن في المطبخ و التنظيف فحياة الفرد أكثر من ذلك بعيدا عن المطبخ والغسيل والأطفال ، إني أفضل أن أموت مئة مرة قبل أن أغسل فنجان قهوة) .‏

و إضافة للأداء الرائع لميريل ستريب الذي أدى لترشيحها وفوزها بعدة جوائز منها بافتا وغولدن غلوب، فان أجمل ما في الفيلم هو تلك الصور الرمزية التي تربط بين الماضي والحاضر وتحمل دلالات أعمق بكثير مما تبدو عليه اللقطة .‏

ففي أول دخول لها إلى عالم السياسة بعد فوزها كنائبة برلمانية عام 1959، يكون التركيز على حذاء تاتشر فنراه الحذاء الأنثوي الوحيد بين مجموعة كبيرة من الأحذية الرجالية و تتكرر اللقطة ذاتها يوم خروجها من الحياة السياسية و تقديمها لاستقالتها كرئيسة للوزراء، غير أن الفرق هذه المرة بأن الحذاء كان يدوس ورودا حمراء ، ففي البداية وفي النهاية بقيت تاتشر بشكل أو بآخر و رغم نجاحاتها الكبيرة امرأة، و في أحيان كان من الممكن أن تسمع تلك الهمسات الساخرة من أنها كانت يوما ابنة بقال .‏

غير أن عالم الرجال لم يكن ضدها تماما فمن هذا العالم زوجها دينيس الذي كان يظهر رافعا كأس نخبها بعد كل نجاح تحققه في عالم السياسة وإن على حساب حياته هو وولديهما التوءم . و من عالم الرجال أيضا آيري نيفي الذي شجعها على قيادة حزب المحافظين إن أرادت تغييره و قيادة بلادها إن أرادت تغييرها و لكن المهم ألا تكون سوى نفسها، وهو الذي عمل على إخراج المرأة القائدة منها مع دروس في الأداء والصوت والمظهر غير أنه لم يفلح بإقناعها التنازل عن عقدها اللؤلؤي هدية زوجها لها في ذكرى ولادة توءمهما .‏

سواء اختلفت أو اتفقت مع تاتشر، نجح الفيلم في دفعك الى احترام شخصيتها الفريدة و القوية و التعاطف معها فيما بعد كامرأة عجوز فقدت زوجها منذ أربع سنوات غير أن شبحه هو و ذكرياتها كان قوياً و حياً جداً. و ربما أكثر اللحظات حزناً هي تلك التي حاولت فيها التخلص من طيفه فأدارت كل الأجهزة الكهربائية لكي لا تسمع رنين صوته في أذنها في لحظة أشبه بالجنون خوفا من أن تصاب فعلا بالجنون. و من بين الأجهزة التلفاز الذي كان لحظتها يعرض تقريراً عن تاريخها كامرأة لقبها السوفييت بالحديدية لعبت دورا في إنهاء الحرب الباردة و عكست الهبوط الاقتصادي الذي عانت منه بلادها، في هذه اللحظة نرى تاتشر التي على حافة الانهيار تهمس لنفسها (إني لا أتعرف على نفسي) .‏

و في لحظات قوتها أيضا بدا الفيلم منحازاً كثيراً لجهة تبرير مواقفها و إظهار جوانب إنسانية فيها حتى في حرب جزر الفوكلاند. و تبقى المقولة الأهم هي التي جرت على لسان تاتشر العجوز حين قالت (كان الأمر في الماضي يتعلق بالقيام بشيء ما، أما الآن فهو يتعلق بأن تكون أحداً ما) .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية