واقتراح ايهود باراك، الذي يعتبر نفسه عبقرياً، هو الغباء بعينه. وعلى باراك أن يعرف أنه في فنلندا ليس فقط طقس بارد جداً، وظلام في الشتاء، بل إنها بالذات تنازلت عن أراض واسعة لصالح الاتحاد السوفييتي وأخلت نحو نصف مليون من السكان من منازلهم. واذا كان لا بد أن يسافر قادتنا إلى هناك، فليفعلوا كي يتعلموا كيف تخلى عشرات آلاف المنازل من سكانها.
والصورة التي جمعت نتنياهو مع باراك إلى جانب «القبة الحديدية» الخاصة بقطاع غزة، تدفعني شخصياً إلى اليأس. فقد كان من الأفضل أن تلتقط لهما الصور في مكان التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين، بدلاً من التباهي بأدوات إطلاق الصواريخ باهظة الثمن ( يساوي الصاروخ نحو مئة ألف دولار) وتحمي جزءاً محدوداً من الجبهة الداخلية في المحيط، المهدد نظرياً بنحو 80 ألف صاروخ من حزب الله وسورية وحركة حماس. إنهم يقدمون الاختراعات ولكن هذه القبة الحديدية تتعارض مع استراتيجية بن غوريون القائلة بضرورة نقل الحرب إلى أرض العدو وانهائها بسرعة.
إن نتنياهو لا زال يفضل التأخر والتسويف بشأن اتخاذ القرارات القيادية. ومنذ خطاب بار ايلان لم يتخذ أي خطوة ذات مغزى. وعد بخطاب بار ايلان 2 ولكنه اشترط أن يلقيه خلال رحلة إلى واشنطن، وهو يبدو مذعوراً مما يسميه باراك التهديد «التسونامي السياسي» المرتقب إن تتعرض له إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول المقبل عندما يعرض الفلسطينيون خطتهم للدولة الفلسطينية من جانب واحد، والتي من المتوقع أن تلاقي قبولاً دولياً واسعاً.
لا تزال الحكومة تؤجل قرارات استراتيجية، وعندما تصطدم بالمشكلات يبدأ أعضاؤها بالركض كالفئران المخدرة. العالم يواصل التقدم ليس وفق إيقاعنا، إيقاع الأحداث المتسارعة.
إن الإعلان في الأمم المتحدة عام 1975 بأن الصهيونية هي جزء من العنصرية، سيكون لا شيء بالقياس إلى الأثر الذي سيتركه الاعتراف المتوقع بدولة فلسطينية في حدود 67. وبالتوازي يتم تنظيم الأسطول الأكبر إلى غزة. بتعبير آخر إن هذه التطورات ستجعلنا دولة منبوذة.
ومن خلال اتصالاتنا مع الدول التي ستخرج منها أو ترسو فيها السفن في الطريق إلى غزة يبدو أن هناك طريقاً أكثر حكمة من الوصول إلى مواجهة دموية في قلب البحر، سنتعرض لشجب العالم بسببها مرة أخرى. لكن، ما هذا الخوف بحق الجحيم فلتذهب السفن إلى غزة كما تريد مذا يضيرنا ذلك؟
باراك هو الذي أطلق تعبير «التسونامي» على القرار المرتقب في الأمم المتحدة. تعبير تقشعر له الأبدان جداً إذا أخذنا بالحسبان أنه يصف الكارثة في اليابان. ولكن من الأفضل التفكير في ما ينبغي عمله، بدلاً من الاسترخاء للاعتقاد بأن ما سيصيبنا مجرد موجة أخرى من التنديد في الأمم المتحدة. وحسب سيناريو الرعب لدينا، فقد خطط الفلسطينيون بداية لإحالة القرار بالاعتراف بدولتهم إلى مجلس الامن، ولكن القيادة الحالية على ما يكفي من الحكمة كي لا ترفعه إلى هذه الهيئة منعاً للفيتو الاميركي، حيث إن عاماً وربع العام قبل الانتخابات للرئاسة لن يسمحا لأوباما برفض استخدام الفيتو كي لا يتحدى الناخب اليهودي.
وترى سفيرتنا السابقة إلى الأمم المتحدة، جبريئيلا شليف أن القرار المتوقع في الجمعية العمومية ليس له أسنان لأن دولة فلسطينية دون جيش ودون حدود معروفة ودون موافقة إسرائيل ليست دولة. ويبدو أن مزاج قيادتنا يميل إلى هذا الاعتقاد على افتراض أن أوباما سيكون منشغلا بحياته السياسية في ذلك الوقت، وبالتالي لا داعٍ للإسراع في تقديم التنازلات. هذا منطق مرفوض، فلا يوجد ما يبرر الاعتقاد أن أوباما سيكون غير مبال لما يحصل.
وعندما تدب الاضطرابات في المنطقة، فإن أوباما يرى أن الحل السياسي سوف يساهم في استقرارها. لكن من الناحية الشخصية لنتنياهو فإن وضع الجمود الحالي هو الأفضل. لا يوجد قاسم مشترك بين نتنياهو وأوباما، بل قد يكون هناك دم فاسد بينهما. كما ضاعت ايضا الثقة بوعود ايهود باراك.
والتقرير الذي قدمه بيريز القادم من واشنطن عن مزاج أوباما كان باعثا على الاكتئاب. وتتوقع الإدارة مبادرة إسرائيلية والا فإنها ستعطيها «ابرة في القفا» أي: حل يتم فرضه على الطرفين. وحقيقة ان هذا التهديد ما زال يطلق منذ سنوات دون أن يتحقق، لا يعني اننا لن نصل ذات يوم إلى موقف يقال فيه لنا: «كفى وانتهينا» صادر عن البيت الابيض الاميركي. وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لنتنياهو ان يدخل فيها التاريخ.
بقلم : يوئيل ماركوس