وآخرون يرونه إيفيت (وهو الاسم المسجل في شهادة ميلاده) «الرجل المقدام»، ويقول عنه البعض بأنه كوزير للخارجية يتصرف «بدبلوماسية يسودها الغموض». ونرى حتى خصومه السياسيين يكنون له الكثير من التبجيل والتقدير والاحترام، حيث يصفه البعض منهم بالرجل الجدي المتسم بالاعتدال ويتعاملون معه باعتباره من دهاة الساسة، لأنه من المتعذر على المرء توقع ما يدور في خلده. لكن بتقديرنا نرى بأن كل ما أسبغ عليه من أوصاف ليست في الواقع سوى كلام فارغ في غير محله بل إنه هذيان وهراء أيضا.
لو تجاوزنا الشكوك والخطأ المخزي الذي ارتكبه في الاعتداء على أحد الأطفال فإننا سنجد أنفسنا لا نرى به إلا سياسيا أرعن ذا قدرات محدودة لم يسجل في تاريخه على مدى عشرين عاما من العمل السياسي سوى النزر اليسير من الإنجازات التي كان من أعظمها شأنا هو إفصاحه عن مكنونات نفسه ومعتقداته السياسية القائمة على كراهية العرب التي أفضت إلى تحقيقه نجاحا في الانتخابات ممتطيا الموجة العالية التي حطت به في مقام رفيع غير آبه لما يحدث من جدل في صفوف الشعب الإسرائيلي. ودون أن يتورع عن إثارة الرعب والخوف في نفس رئيس الوزراء أو ما يخلفه من سمعة سيئة في شتى أنحاء العالم. ولم نشهد له أي إنجاز يجدر ذكره، الأمر الذي يتعارض بشكل تام مع الصفات التي أسبغها عليه مؤيدوه ومعارضوه. حتى إن وصفه بالرجل المقدام يبعد كل البعد عن واقعه، وإن وصفه بالرجل الغامض قد قاد بنا للتساؤل عن مواقع الغموض لديه.
إن ليبرمان لم يكن سوى واحد من القادة الكثر الذين ينتمون إلى المنظمات الإسرائيلية الإجرامية الذين مازالوا ماثلين في ذاكرتنا ونتغنى بممارساتهم. وبتقديرنا نستطيع القول بأنه يمثل فردا من تلك الفئات لأنه بعد قرار المدعي العام أصبح أيضا موضعا للفخر والإعجاب على الرغم من أنه أسوأ وزير خارجية شهدته إسرائيل حيث شهدنا في عهده تراجعا في مكانتها الدولية إلى أدنى مستوى لها. وتدهورت علاقتنا مع تركيا جراء نشاطه الدبلوماسي في الإساءة إليها. يضاف إلى ذلك مواقفه التي قادت بدول أميركا اللاتينية إلى تغيير مواقفها تجاه إسرائيل كل تلك الأضرار السياسية ألحقت بإسرائيل الأذى خلال سنتين فقط من وجوده في السلطة.
نتساءل عن الأسباب التي تدعو إلى أن يحظى شخص مثل ليبرمان بكل هذا التقدير والإعجاب، هل لأنه قال «سألتزم بما وعدت به» وعن اي وعد تحدث لنا عنه؟ خاصة في ضوء عدم قناعتنا بأن أياً من وعوده الانتخابية لم ينفذ على أرض الواقع، ولم يقدم لناخبيه ما يستحق الذكر، إذ لم نشهد القوانين المتعلقة بعقود الزواج المدني في إسرائيل التي وعد الشعب بها بل إن كل ما انتهى إليه هو مشروع قانون متخلف يخص طائفة من الناس ليس لهم علاقة بالدين. وإن مساعيه في القضاء على حماس قد باءت بالفشل على الرغم من كونها تشغل بنداً خاصاً في اتفاق الائتلاف الحكومي حيث نجد حماس بعد سنتين من وجوده في الحكم قد أصبحت أقوى من ذي قبل بل أقوى من ليبرمان ذاته كما وأنه تعرض لفشل ذريع إزاء بعض المشاريع الخطرة المناهضة للديمقراطية، والتي كان يفتخر بتقديمها مثل القيام بالتحقيق مع المنظمات اليسارية غير الحكومية.
لا شك أن دخوله في معترك السياسة الخارجية كان ذا أثر ضعيف وإن جولاته الخارجية كانت في معظمها عقيمة، واقتراحاته بتبادل الأراضي مع الفلسطينيين قد أهملت ولم يؤخذ بها مثلها مثل بقية الاقتراحات التي تقدم بها.
أما بالنسبة لما أحدثه من تطور على حد قول مؤيديه فلم نجد له من مكان إلا إذا اعتبرنا أن إنشاء شركة تحقق الملايين من الأرباح لمالكتها ابنة أحد الأثرياء يعد إنجازا؟ وإزاء ذلك هل يستحق الثناء وإسباغ صفة الشجاعة ورباطة الجأش عليه؟ بالطبع سيكون الجواب القاطع هو كلمة لا، يضاف إلى ذلك بأننا لم نسمع أي كفاح أو نضال قام به من أجل تحقيق أمر دعا إليه وكل ما يستطيع قوله عنه هو قدرته على التحريض وإثارة مشاعر الضعفاء على الأكثر ضعفا منهم ذلك الأمر الذي لا يحتاج إلى شجاعة أو رباطة جأش، أما عن كونه رجلا سياسيا ولديه قدرات كبيرة فلم نشهده في أي يوم يلقي خطابا مؤثرا ولم يقدم أي إنجاز يذكر به. وعلى الرغم من ذلك يعتبره البعض رجلا ناجحا.
يبدو أننا أصبحا نصف السياسيين الذين يمارسون أعمال البلطجة بالبطولة ورباطة الجأش إذ تبين من استطلاعات الرأي حول ليبرمان بأنه يمثل أحلامنا، ويصرح علنا بما يفكر به معظمنا ويبرز صورتنا للعالم بأسره. الأمر الذي يجعل العرب يتضامنون لمواجهة رغباتنا ويجعل الملايين من العالم يعربون عن مواقفهم تجاهنا. وإزاء كل الانتصارات التي حققها هذا الرجل الأسطورة فإننا ننظر إليه بتبجيل واحترام لأنه يمثل صورة عنا ونحن نمثل صورة عنه.
بقلم: جدعون ليفي