استهل الدكتور جلال شربا حديثه بتعريف الذكاء على أنه مصطلح يتضمن عادة الكثير من القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل والتخطيط وحل المشاكل وسرعة المحاكمة العقلية كما يشمل القدرة على التفكير مضيفا أن مقياس الذكاء في مجتمعنا يقاس بتفوق الطالب في مواد معينة كالرياضيات والفيزياء مع أن في هذا مغالطة كبيرة.
وأضاف شربا: إن هناك أنواعا عديدة للذكاء أهمها الذكاء الجسدي وهذا ما يجسده تفوق بعض الرياضيين فيكسب سرعة بديهة فائقة وهذا ناتج عن تنشيط خلايا دماغه ونمو قدراته العقلية،وهناك الذكاء اللغوي ويشمل القدرة على التحدث والتأليف وابتكار الصور اللغوية والإبداع الأدبي وكذلك الذكاء المنطقي وهو القدرة على الحساب وحل الأمور المنطقية .وهناك أيضا الذكاء التخيلي وهو القدرة على التفكير بالأشكال والأمور ثلاثية الأبعاد،إضافة الى الذكاء الموسيقي ويمثل القدرة على السمع والتأليف الموسيقي والابتكار فيه ،و أيضا هناك الذكاء الاجتماعي ويعني القدرة على فهم الآخرين والتعامل معهم والذكاء الفردي وهو القدرة على فهم الذات وتطويرها مشيرا الى ان كل فرد يتميز بنوع من الذكاء أو أكثر .
دور الوراثة..
وأوضح شربا أن الوراثة تؤدي دورا مهما في الذكاء ولكن هذا لايعني بأي حال أن الأب أو الأم التي تملك ذكاء موسيقياً ستنجب أولادا يحملون نفس النوع من الذكاء ولكن على الأغلب ان احد أفراد العائلة سيحمل شيئا من ذكاء أبويه،فالوراثة هنا قد تنتقل من الاهل الى واحد من الأبناء أو أكثر لكن ليس لكل الأبناء إلا في حالات نادرة وهذا العامل الوراثي ليس وقفا على الأبناء الذكور أو الاناث بل ان الدور هنا عشوائي ولايمكن التنبؤ به وقد نجد تمايزا في أنماط من الذكاء عند الذكور اكثر من الاناث وبالعكس ،فنجد مثلا ان نسبة الذكور المتميزين في مجال الذكاء الرياضي والفيزيائي أكثر من الإناث بينما نجد تقاربا بين الجنسين في الذكاء اللغوي مثلا .
أثر البيئة ..
وبين شربا ان التأثير الذي تحدثه البيئة في نمو سمات الشخصية من أكثر الموضوعات التي حظيت بالدراسة والبحث نظرا للأهمية التي يحتلها الذكاء في بناء الشخصية ويعد التعليم بمعناه الواسع أكثر هذه المؤثرات فعالية وأبعدها أثرا فيه ،لان التعليم هو الذي يحول الذكاء من قدرة كامنة الى قوة حقيقية ومن تصورات واحتمالات وفرضيات الى إجراءات وحلول ومعالجات لمواقف ومسائل ومهام عينية ملموسة ،بالإضافة الى ان اهتمام المجتمع على اختلاف أنظمته الاجتماعية بالتربية والتعليم في الأسرة وخارجها وفي الشارع والحديقة العامة ووسائل الاتصال الجماهيرية من صحافة وإذاعة مسموعة ومرئية يدل على الأهمية التي يوليها المجتمع لهذه المؤسسات والى الدور الذي تلعبه في نمو الشخصية وتكوينها وتوجيهها بصورة عامة وفي نمو الذكاء بصورة خاصة .
التعليم والذكاء ..
وأشار شربا أن كثيراً من البحوث تناولت دراسة العلاقة بين الذكاء والتحصيل الأكاديمي دلت على وجود علاقة وثيقة بين الذكاء والنجاح في التعليم لكن الذكاء على الرغم من أنه عنصر أساسي وعامل مهم جداً في تحديد مستويات النجاح فإنه ليس العامل الوحيد الذي يعد كافياً لتفسير ظاهرة النجاح هذه لأنه ليس العامل الوحيد الذي يحدد نجاح أو إخفاق الفرد في الحياة ،مضيفاً أن الذكاء عنصر يدخل في منظومة سمات الشخصية ويعمل في إطارها ويتفاعل معها وليس بمعزل عنها فالذكاء لا يتخذ قرارا ولايحل مسألة وإنما الشخصية هي صاحبة القرار وهي وحدها القادرة على حل المسائل وهذا يعني أن هناك عوامل شخصية غير الذكاء تكون وراء النجاح في التحصيل الأكاديمي، كالأطفال الذين لديهم دافعية عالية للتحصيل في المدرسة يبذلون جهدا إضافيا من أجل الوصول الى التفوق في المدرسة الأمر الذي يفسر بأنه دليل على وجود الذكاء المرتفع عندهم أكثر مما هو موجود فعلا وبالعكس فإن الأطفال المرضى والمضطربين عاطفياً أو الذين دافعيتهم من النوع المنخفض يكون تحصيلهم الأكاديمي متدنياً مما يجعل المعلم يقدرهم أدنى من المستوى الحقيقي لذكائهم كما أن الاطفال العاديين في ذكائهم يمكن ان تكون لهم الدافعية الكافية للتحصيل لكن بسبب التوتر الذي يسيطر عليهم فإنهم لايحصلون كما يتوقع منهم.
تنميته ..
وبيّن شربا أن معظم دراسات التطور المعرفي أكدت أن اكتساب الذكاء الإنساني يرتبط بما يقوم به الطفل من أنشطة حسية حركية خلال المرحلة المبكرة من عمره وهذا يعني ضرورة تنشيط حواسه الخمس إضافة للأنشطة الحركية وأيضاً الذكاء الإنساني الموروث كما أن مهارات التفكير أمور يمكن اكتشافها وتطويرها خلال السنوات الأولى من عمر الطفل وكلما زادت الأنشطة التي يقوم بها كلما ازداد عمل الدماغ وزادت شبكات الاتصال به ،وختم شربا حديثه بالقول: إن هناك قاعدة مهمة يجب الانتباه إليها وهي أن « العقل ينشطه الأمان والراحة ويضعفه التوتر والتشنج».