الهدف منها الاهتمام بالطريقة التي ينظر إليها الصينيون لمكانة بلادهم في العالم, في خضم التقلبات الحالية. وتلك الفكرة كانت الأساس لأعمال كثر صدرت حديثاً, منها وهو الأهم كتاب ( أطلس عالم إجمالي ) للكاتب باسكال بونيفاس ( مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية) وكذلك هوبير فيدرين, وزير خارجية فرنسا الأسبق, حيث يكشفون فيه, عن نظرة قوى وشعوب غير غربية إلى العالم. وفي الشأن الصيني يطرحون سؤالاً يتردد على كافة الشفاه, هل يقود التحديث الاقتصادي إلى حدوث تبدل في طبيعة النظام في الاتجاه الديمقراطي?
وهذا الاهتمام نفسه قاد الخبير في الشؤون السياسية البريطاني مارك ليونارد, مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إلى الاستيضاح والاستفهام من مجموعة من أساتذة الجامعة والباحثين الصينيين. وفي عددها لشهر آذار, جمع مارك ليونارد في مجلة Prospect مجموعة أفكار حول ( أهل الفكر الحديث في الصين ). توسع فيها ضمن كتاب أصدره بعنوان ( كيف تفكر الصين ), عززه وأغناه من خلال نقاشات أجراها مع مفكرين صينيين, وفي نهاية الكتاب, نستنتج أنه لايوجد جواب موحد على السؤال الذي طرحه بونيفاس وفيدرين.
حيث نجد أن ثمة تمايز بين مدرستين: الليبراليين الدوليين, الذين يتحدثون عن ( صعود القوى السلمية ) في حين ينصب اهتمامها في الإندماج مع العالم, وكذلك تبني المعايير الموجودة, مع الحرص في الإسهام بدور إيجابي. ومدرسة القوميين, أولئك الذين أطلق عليهم ليونارد اسم ( الشيوعيون الجدد ), تيمناً ( بالمحافظين الجدد ) في الولايات المتحدة, وهؤلاء يستخدمون مفاهيم حديثة, من أجل تحقيق أحلام الصين القديمة.
ومابين هذين الخطين أو التيارين لم يحسم زعماء الصين خياراتهم بعد, ولايجدون أنفسهم مكرهين على الاختيار, أو على عجلة من أمرهم, إنما ومهما طال الزمن, فإن من مصلحة الصين الإندماج في عالم إجمالي, اللهم إذا أخذوا بعين الاعتبار المكاسب الاقتصادية والتجارية التي ستكون في صالحهم, ومحاولة للتخفيف من العقابيل السياسية التي تأتي على شكل ضغوط خارجية عليهم بالغمز من قناة مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها. ولذلك وكما يعبر عن ذلك خبير صيني في الاقتصاد العالمي, لاتعتبر الصين من القوى التعديلية أي بمعنى أنها لاتريد قلب قواعد وأسس النظام الدولي, على عكس الولايات المتحدة, حيث حاولت وفي ظل حكم جورج بوش فرض مبادئها على العالم, من خلال الحروب الاستباقية, ومحاولة نشر الديمقراطية بالقوة.
على نقيض ذلك, يجد الصينيون أنفسهم في عالم إجمالي, لكن غير مكبلين بأي مستلزمات. كما ويعرفون كيف يقتنصون الفرص التي تسنح لهم بتطوير بلادهم وتحديثها, والانطلاق في منافسة مع القوى الموجودة, ومخاوفهم تتجه بشكل مغاير, فهي تتعلق بتصاعد النزعات الحمائية في العالم الغربي . والسؤال هنا: كيف ستكون الأمور على المدى الطويل? يتوقع الخبراء أن يحقق الشيوعيون الجدد انتصاراً خلال الفترات المقبلة, حيث إن الإندماج في عالم إجمالي يضمن قدرة وقوة صينية حقيقية, سواء أكان في تغيير النظام الدولي, أو في بناء نموذج مناقض منافس لنظام يعتبر غربياً حسب مفهومه للديمقراطية. ومن هنا ينبع الرهان على الألعاب الأولمبية. فالقيادة الصينية لم تشأ البتة التخلي عن افتتاح دورة الألعاب, ولاتريدأن تفوتها نتائجها.