|
أصل اللامساواة في الحياة العربية: السلطة الاقتصادية آراء فنستبدل بلفظ الدول العربية -لعدم وجود دولة بالمعنى الدقيق بل سلطات غاشمة في كل مكان تطلق على نفسها اسم الدولة- لفظ الشعوب العربية الذي قد لا يكون يوم فقدانه لشرعيته بعيداً.
غير أن الشعب الواحد هو نفسه يكاد يتكون من أمتين: أمة الأغنياء, وهم القلة المستأثرة بالنصيب الأكبر من ثروات البلاد والعباد, وأمة الفقراء, وهم الأكثرون والذين وضعت كل أموالهم ومستحقاتهم أو معظمها في جيوب الأمة الأولى. لماذا كان الأمر على هذا النحو? لماذا تسيطر هذه اللاعقلانية واللإنسانية واللامساواة على حياة العرب في كل مكان: يموت أكثرهم من الجوع والمرض والأمية, وتموت أقليتهم بسبب الجشع والطمع والبطنة والفساد? جوابنا على ذلك سيعود إلى مفهوم القوة أو السلطة السياسية, فما يترتب على التوزيع اللاعادل للسلطة السياسية في المجتمعات العربية, وما ينجم عن ذلك من أوجه الخلل التي لا يمكن إحصاؤها, هو تولد نوع آخر من اللامساواة تعين هذه المرة في المجال الاقتصادي, متخذاً أبشع صورة من تفاوت الدخول وفي الخلل الذي يفوق الخيال في المعادلة التي تحكم علاقة الأجور بالأسعار. اللامساواة في امتلاك القوة أو السلطة السياسية تفضي مباشرة إلى نوع آخر من اللامساواة في الحياة الاقتصادية, وعلى ذلك فالمعادلة التي تحكم الحياة العربية أبسط من أن تحتاج إلى محللين متعمقين وخبراء استراتيجيين وعلماء متفقهين في فنون الحرب والسلام واللغة وعلم المستقبليات وفنون الحفريات في ماضي الأمة ومستقبلها المجهول نظراً لكونها قد أضحت في وضع لا تتمكن معه من تقرير مصيرها بذاتها. المعادلة ببساطة هي أن استقرار السلطة في أيدي أقل عدد ممكن من النخبة الحاكمة هنا وهناك قد أدى إلى تركز الثرورة في الأيدي نفسها تقريباً. فالسلطة العربية أقرب إلى أن تكون نوعاً من المغناطيس الذي يجذب السبائك الذهبية والفضية, بل يجذب حتى مالا يجذب: الدولارات وشتى أنواع الأوراق النقدية. وما نجم عن ذلك هو أن أكثرية العرب قد خضعت لعملية إفقار منهجية جعلت منهم كائنات عاجزة حتى عن استخدام لغة الرفض, أما القبول الذي يصدر عنهم, فهو في الحقيقة تحصيل حاصل لا حاجة بنا لمناقشته, هذا الإفقار مس كل شيء في الروح والبدن, بل مس الكرامة الإنسانية ذاتها. وقد لا يكون إحساس العربي قوياً في الوقت الحاضر بذاته إلى الحد الذي يمكنه من إجراء المراجعة الضرورية لهذه الأوضاع والاحتجاج على ما ينبغي الاحتجاج عليه منها, لكن التاريخ علمنا أن التغير والتبدل والصيرورة هي قانون الحياة. ومن ثم فالأشل الإرادة وقعيد الهمة قد يصبح في يوم قريب عداء لا يبارى وذا نشاطية ربما تكون في وقت من الأوقات غير مرغوب فيها وزائدة عما هو مطلوب لاستمرار الاستقرار الاجتماعي والسلام الأهلي وتمتع الجميع بالأمن والسلام الداخليين. وعلمنا التاريخ أيضاً أن النعم لا تدوم, ومن ثم فهل من وقفة متعقلة من النخبة العربية السياسية -التي أعادت تقسيم الثروة على نحو غير عادل- ومن النخبة الاقتصادية التي توغل بعيداً في إعادة إنتاج هذه اللامساواة مرة أخرى, فتعمق اللامساواة السياسية المتمثلة في الخلل في توزيع القوة من جديد? هل من وقفة متعقلة من النخبة السياسية والاقتصادية العربية تسمح بفتح ولو كوة صغيرة في الجدار السميك لعل بعض الأمل يتسرب منها إلى نفوس الأكثرية? لعل هذا الأمل يجعل المحافظة على هذا الشيء الذي نسميه عربياً أمراً ممكناً بديلاً عن الطوفان.
|