تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفيلسوف الفرنسي «مـوران» : ثقافـة أوروبـا تقودنـا إلـى الهمجية

ثقافة
الأحد 26-1-2014
اعداد: هفاف ميهوب

«إن التقنيات التي أنتجها الإنسان, مثلها في ذلك مثل الأفكار, ترتدُّ ضده, وتعرِّض الأزمنة الحديثة لتقنيةٍ تنفلتُ من عقالها بتخليصها من الإنسانية المنتجة لها.. تتصرف مثل سحرة في طور التدريب,

إضافة إلى ذلك, تجلب التقنية نفسها, بربريتها الخاصة, أو بربرية الجبل الجليدي الذي يجهل الوقائع العاطفية المميزة للبشرية».‏

بهذه الكلمات, ابتدأ «ادغار موران» الفيلسوف الفرنسي المختص بالدراسات المستقبلية, آخر أعماله المترجمة «ثقافة أوروبا وبربريتها» الكتاب الذي انتقد فيه النزعة الأوروبية التي كانت سبباً في حروب القرن العشرين تحديداً. تلك النزعة التي تساءل بعد أن ردّها إلى العصور القديمة والوسطى: «إلى أين يسير العالم؟».. وهو ما ناقشه في إحدى أبحاثه التي يتناول فيها أزمة العولمة التي كانت سبباً في تحطيم الذات البشرية.‏

إنها الذات التي وضعها أمام حقيقة أراد منها, توعيتها إلى أن هذا العالم المتطور في أزمة دائمة وخطر مستمر, وإلى أن مفاهيم مثل التطور والتقهقر والأزمة والحيرة, باتت تحيط بإنسان العولمة الذي ينساق مع عالمٍ يعتقده متجهاً إلى الغد ودون أن يعلم بأن لا خلاص لهذا الغد, وأن الدخول فيه سيدخل البشرية في دوامةٍ من الاختناق والغرق واللاجدوى.‏

إذاً, «إننا لانزال همجيين».. هذا ما يراه «موران» في بشرية أغمضت بصرها وبصيرتها عن ذاتها مثلما عن الآخرين.. بشرية بدأت بحروبٍ شخصية ومن ثم داخلية, لتنطلق بعدها إلى الصراعات الحربية القائمة على الحقد والكراهية ونبذ الآخر, وهو ما يدل على أن النزعة الهمجية موجودة لدى كل إنسان حتى وإن كان متحضراً.‏

هذا ما أورده هذا الفيلسوف في «ثقافة أوروبا وبربريتها».. تلك الثقافة التي ردَّ تطورها إلى ثلاثة مجتمعات, أولها «المجتمعات الأولى» التي تتألف من أفرادٍ قلائل عملوا في الصيدِ وجني الثمار, وأنتجوا تنوعاً مهماً في اللغات والثقافات والموسيقا وسوى ذلك مما عبّر عن اكتفائهم وعدم اضطرارهم إلى غزو أراضي غيرهم.‏

المجتمعات الثانية هي المجتمعات «السحيقة القدم» الخاضعة لأسطورة الجد المشترك, وهي الأقل عدوانية وبربرية, والتي انشقّت منها حضارات كبرى ضمّت ملايين الأفراد الذين عملوا في الزراعة وبناء المدن والدول والمواشي.‏

أيضاً, هناك «المجتمعات التاريخية» التي أدى ارتباطها بسلطة الدولة إلى جنون الهيمنة وبالتالي, إلى القيام بغزوات كان هدفها الحصول على الاحتياجات الأساسية, ليتطور هذا الهدف, وبعد ممارستها لأعمال التخريب والسلب والنهب والاغتصاب والاسترقاق والإبادة. ليتطور إلى هيمنة أريد منها نشوب حروب لا تهدأ ممارساتها البربرية.‏

هذه هي البربرية الأوروبية التي لم تمنع وحسبما ورد في أبحاث «موران» من إفراز ثقافات ومعارف وفنون جعلت شعراء وعظماء وموسيقيين أمثال «غوته» و«بيتهوفن» و«لوبي دوفيجا» وغيرهم, ينشروا أفكارهم التنويرية, وبعد أن عجزوا عن استيعاب ما تمارسه بلادهم من بربرية.‏

هكذا بدأت وتطورت «الهمجية الأوروبية» وبتطور النازية والفاشية والستالينية وسوى ذلك مما تولَّد عن ظروف تاريخية صدَّرت للعالم الكوارث والحروب التي دمرت- ولاتزال- الإنسانية..‏

كل هذا, كان مثار اهتمام «موران» وفي كتبه وأبحاثه ومحاضراته وأيضاً حواراته. «موران» الذي ولأنه كان على قناعةٍ دائمة بأن «كل مالا يتجدّد يتدهور», جدَّد ذاته وتمرَّد على الزمن الذي ما إن تجاوز التسعين من عمره فيه, حتى تخطى حدود الإجابة عن سؤالٍ يتعلق بتناقضاته الفكرية, وبحديثه عن الحب الذي جعله يجيب قائلاً: «الحب قوة حيوية تُحيينا. إن أحزان الحب تسحقنا ولكن, اللقاءات الجديدة تُلهمنا وتنشطنا. يجب أن نعرف كيف نحب».‏

بيد أنه لم يجد بداً من الهروب إلى مستقبلٍ لا راحة ولاسلام فيه, إلا عن طريقِ راحة القلب التي أرادها سبيلاً لانتقالهِ إلى عالمٍ مظلمٍ ولا نور فيه.. عالم الخلاص على يدِ آلهةٍ ما أكثر ما نادى بأن عليها: «ألا تكتفي بالحصول على الأفكار الأكثر وعياً وإنما أيضاً, أن تسعى للحصولِ على الأفعال الأكثر سمواً»..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية