لا يخبرنا عما يحدث بالضبط ولكن عما يمكنه أن يحدث..
إذاً ما علاقة هاملت (وليم شكسبير) بالراهن..
هاملت التراجيديا الصاخبة بالموت والثأر.. كان لها تأثير كبير على الحركة المسرحية في كل مكان من العالم.
لا يمكن إحصاء عدد المرات التي تم فيها (تجريب) هاملت على المسارح العالمية ولكن في إحصاء أخير تأكد أن هاملت سجلت 48 ظهوراً على الشاشة.
الحبكة والأحداث الرئيسية والثانوية في هذه الملحمة التاريخية تعطي المخرج المسرحي (الموهوب والمجتهد) القدرة على خلق اسلوب اخراجي مختلف وتعطيه امكانية التعامل بطرق كثيرة فتكتبه من السعداء أو من بين الأشقياء.
لو سألت أي مسرحي.. ما العمل الذي تتوق لكتابته أو إخراجه أو تمثيله.. بالتأكيد سيكون هاملت أو عطيل.. وبهما سيقدر للمسرحي أن يكون أو لا يكون..
إن اقتباس أكبر وأهم أعمال ويليام شكسبير هو تحد لا يمكن تجاهله في سيرة أي مسرحي.
شرطها المتين أن يبقى الخيط الذي يربط بين الماضي والحاضر وبرؤية اخراجية لا يخرج عن النص القديم بأحداثه وشخصياته.. وخيوطه ومفاصله).
الحلول الإخراجية لمثل هذا العمل ومزاوجة الماضي بالراهن للمخرج تمكن من الفوز بمكانة مرموقة في عالم المسرح.
فبعث هاملت مجدداً لا يمكن أن يأتي عبثياً فهو منجز كامل تاريخياً...
هاملت (التاريخي) يطرح تساؤلات عقلية وإنسانية مرتبطة بالنفس البشرية.. والمخرج (البطل) هو القادر على تناول هواجس الأعماق بشرها وخيرها.. وربما مبررات كليهما.. بشرط أن يكون جاهزاً لمقاربة واقعية تحمل عناصرها الحية برؤية ذاتية جديدة لا تكابر.. ولا تجفل.
حبكات هاملت وخيوطه الصغيرة والكبيرة.. مفتوحة على احتمالات يتقن حياكتها.. مخرج يحمل هماً.. ليفرّج كرب المشاهد.. بعرض يجذب.. ولا ينفره.
لم تبتعد هاملت الكتابة الثانية التي أعدها الدكتور رياض عصمت وأخرجها وصنع لها السينوغرافيا عروة العربي.. عن الأمانة التاريخية للنص الأصلي.
فالعرض يسرد ما حدث في قلعة هاملت الأمير الدانماركي الذي يطلب منه طيف والده الثأر من عمه الذي قتله وسرق مملكته وزوجته ليبتعد عن حبيبته أوفيليا ويتعاون مع فرقة مسرحية لتقديم عمل يجسد فيه حادثة مقتل أبيه.. ليثأر عندها لوالده الملك.
بقتله لبولونيوس (محمد خير الجراح) أبو اوفيليا حبيبته بطريق الخطأ ظناً منه أنه عمه وأمام عيني أمه التي تفاجأ بأن العم (زوجها الملك) كلوديوس (يوسف المقبل) قاتل زوجها أبو هاملت!!.. تنتحر أوفيليا ليأتي الأخ وينتقم لمصرع أبيه وأخته بسبب هاملت ويطلب مبارزة يستغلها عمه الملك في مؤامرة لقتل هاملت بسيف مسموم فيموت كليهما.. وتموت الملكة بالسم بدلاً من ابنها.. ويموت الملك.. وتنهار القلعة!!
سلسلة الخيانات التي تعرض لها هاملت.. تجعل ذهنه مليئاً عارماً بشتى الألوان لتدافع الرؤى والخيالات فيتأجج الانتقام والثأر والخيبة والعجز في عقل هذا الشاب.. ليصيح ويتحرك بانفعال وضجيج وصخب لا يهدأ ولا يستريح طوال فترة العرض التي امتدت لساعتين.. فقد استخدم هاملت (وسيم قزق) كل المؤثرات الصوتية والحركية (الجسدية) ليعبر عن حنقه وغضبه ورغبته الجارفة بالقصاص لمقتل أبيه.. والانتقام من أمه ليصبح الجميع بمن فيهم حبيبته وصديقه.. وكل مقرب منه وسيلة انتقام..
على ما يبدو أدرك فريق العمل أن (هاملت) وسيم قزق له الحصة الأكبر من أحداث المسرحية وعليه تتكئ.. وتقوم لهذا جاء أداؤهم في مواقف درامية كثيرة متواضعاً باهتاً فبمقابل كل هذا الصخب البادي على وسيم قزق كان لابد أن نعلم أن التركيز (من المخرج) انصب على (هاملت) الشخصية المحورية (تاريخياً وراهناً).
دمج الخشبة بالصالة لكسر الجدار الرابع يأتي غالباً لمصلحة العرض فيمنع المشاهد من الشرود ويجعله بحالة ترقب وتواصل مع الشخوص.
لم يشأ عروة العربي أن ينهي عرض هاملت دون إشارة لما يحدث قريباً وملاصقاً له فنبه أن الخاتمة التي حدثت في قلعة هاملت.. تجبرنا على (أخذ العبرة).. أعتقد أن النهاية تلك جاءت حشواً.. وحشراً.. بل ومرتبكة ومنفصلة فالوعظ لا يليق بهاملت..!!
بطاقة العرض:
هاملت: تأليف وليم شكسبير. إعداد: د. رياض عصمت
سينوغرافيا وإخراج عروة العربي
تمثيل: يوسف المقبل، محمد خير الجراح، عدنان عبد الجليل، محمود نصر، وسيم قزق، أحمد علي، أروى عمرين، بتول محمد، كرم الشعراني.
التأليف الموسيقي: أحمد الأشرم، الإضاءة: نصر الله سفر، أزياء: رجاء مخلوف... الديكور: زهير العربي.
مخرج مساعد خالد أبو بكر، مساعد مخرج خوشناف ظاظا.